«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى» صدق الله العظيم.
رحم الله كل من كان على متن طائرة مصر للطيران، التى سقطت الخميس الماضى، هذا كل ما أستطيع أن أقوله، وكل ما يجب أن يقوله كل إنسان ما زال يستطيع أن يكون إنسانا متابعا لكل ما جرى منذ صباح الخميس الماضى وحتى لحظات كتابة هذه السطور، سواء فى معظم وسائل الإعلام أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، يدعونا للتساؤل: هل ما زال من يعيشون بيننا وحولنا فى هذا العالم يستحقون أن نطلق عليهم صفة إنسان؟
ومع متابعتى لما جرى، خلال الأيام الماضية، فى هذا العالم الافتراضى تحديدا، لم أجد كلمات أكثر تعبيرا عن المشهد الحالى للإنسانية سوى كلمات المفكر المصرى العبقرى الراحل الدكتور مصطفى محمود فى كتابه «عصر القرود»، الذى نشر عام 1978 نعم ما زال وصف الدكتور مصطفى محمود لحال الإنسانية منذ عام 78 هو التوصيف الأمثل للحال، تساءل حينها: «كيف أصبح للفوضى مؤسسات وللقتل نقابات وللجريمة دول؟!» نعم هذه كلمات د.مصطفى محمود عام 78 فماذا كان سيقول عام 2016؟! يقول د.مصطفى محمود: «إن الإنسان هو إنسان فقط، إذا استطاع أن يقاوم ما يحب ويتحمل ما يكره، وهو إنسان فقط إذا ساد عقله على بهيميته، وإذا ساد رشده على حماقته، وتلك أول ملامح الإنسانية».والحقيقة أن ما نعيشه منذ عدة سنوات لا نلمح فيه سوى القليل ممن يتسمون بتلك الملامح الإنسانية.
ما جرى من ردود أفعال كريهة من عدد لا بأس به من رواد هذا العالم الافتراضى، الذين انقسموا لفئتين، فئة تحتكر الإيمان و يقدم بعضهم نفسه كداعية، كلماتهم تفوح منها رائحة الدم الفاسد الذى يجرى فى عروقهم، يسخرون من الضحايا تارة، و يحكمون عليهم تارة أخرى، يوجههون الاتهامات ويشيرون لأفكار مريضة أن ما جرى لهؤلاء ما هو إلا سوء خاتمة، وفئة أخرى لا تخجل من أن تعلن سعادتها بمقتل العشرات من البشر لمجرد التشفى فى نظام حكم يختلفون معه، فقط لأن فى قلوبهم مرض الكراهية، ولأن أغراضهم دائما ما تفوق إنسانيتهم، حقا الغرض مرض، أما فيما يخص معظم وسائل الإعلام الغربية تحديدا، فالأمر قد يحتاج إلى عدة مقالات، ولكن ربما أهم ما لفت انتباهى فى معظم ما بثته تلك القنوات هو التغاضى شبه التام عن البحث أو حتى التساؤل حول عنصر رئيسى يجب بحثه عند سقوط أى طائرة، وهو نقطة الإقلاع، كيف من الممكن أن يتناسى عدد كبير من الإعلاميين الغربيين بحث الحال فى مطار شارل ديجول نقطة إقلاع الطائرة المصرية المنكوبة؟!
كيف لا نبحث حول طبيعة الأمن فى هذا المطار، الذى سبق وأن أعلنت السلطات الفرنسية أنها سحبت تصاريح عدد من العاملين فيه للشك فى انتماءاتهم وتوجهاتهم الراديكالية، كما اسموها حينها؟! كيف تهمل وسائل إعلام محترفة ومفترض فيها المهنية البحث أو حتى التساؤل حول ما تم من إجراءات مع الطائرة المصرية فى شارل ديجول، كما هو المعتاد فى حالة سقوط أى طائرة فى العالم، إلا إن كان لديهم غرض، كما كان الغرض عندما خصصت وسائل الإعلام الغربية ساعات طويلة على مدار عدة أيام للبحث والتدقيق فى إجراءات محطة الإقلاع فى مطار شرم الشيخ بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق أرض سيناء، هل هى مجرد صدفة، أم أن الغرض ينسى البعض المهنية والموضوعية؟! حقا إن الغرض مرض، وماذا عن سكان العالم الافتراضى الذين تفرغوا حينها لأيام طويلة للسخرية من إجراءات الأمن فى المطارات المصرية وقت إسقاط الطائرة الروسية؟ لماذا لم يبحث هؤلاء عن كم المعلومات المتاحة والرسمية عن مطار شارل ديجول وعلامات الاستفهام الكثيرة حول أعداد لا بأس بها من العاملين بهذا المطار كغيره من مطارات عديدة فى أوروبا ومنها مطار بروكسل على سبيل المثال وليس الحصر.
كل هذا لا يعنى أبدا أنى أوجه أى إتهام لأى جهة، فيما يخص حادث الطائرة المصرية، فلا أنا ولا غيرى له الحق فى توجيه أى إتهام لأى جهة دون دليل يخرج عن لجنة التحقيق الرسمية، إنما فقط أرصد حال المهنية فى عالم الإعلام بصفتى أنتمى لهذه المهنة، كما أحاول رصد ما يجرى فى عالم جديد افتراضى يحاول يوما بعد يوم محو ملامحنا الإنسانية فى محاولة للتمسك بإنسانيتى.