هناك رؤية إقليمة قدمها الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن خلال عرضه لنقاط من مشروعه الانتخابي فى مقاله بمجلة "فورن أفيرز"، مارس من عام 2020 تحت عنوان: " لماذا على الولايات المتحدة أن تقود من جديد".
أعلن الرئيس بايدن عن مبادرة إقليمية شاملة لمدة أربع سنوات بقيمة 4 مليار دولار، تأسيسًا على نجاح خطواته السابقة عندما كان نائبًا للرئيس الأسبق باراك أوباما، لمواجهة الهجرة غير الشرعية وتأمين الحدود الأمريكية، مع ضمان كرامة المهاجرين ودعم حقهم القانونى فى طلب اللجوء.
حصل بايدن وقتذاك على دعم الحزبين الديمقراطى والجمهورى لبرنامج مساعدات بقيمة 750 مليون دولار، لدعم التزامات دول السلفادور وجواتيمالا وهندوراس لمواجهة الفساد والعنف والفقر المستشرى هناك، والذى دفع الناس إلى مغادرة بلادهم. وقد ترتب علي ذلك تحسن الأوضاع الأمنية، حيث بدأت تدفقات الهجرة فى الانخفاض فى السلفادور.
مركب الأمن الإقليمى، مصطلح جديد تم تطويره وتقديمه لأول مرة من قبل عضوين بارزين فى مدرسة كوبنهاجن لدراسات الأمن هما الباحثان بارى بوزان وأولى ويفر فى كتابهما " الأقاليم والقوى: هيكل الأمن الدولى"، الصادر عام 2003، وهو الكتاب المهم الذى يناقش نهج كوبنهاجن نحو "الأمن القطاعى".
وحسب المفهوم، هناك تحول فى مضمون المفاهيم التقليدية لقضية الأمن فى العلاقات الدولية: بحيث تنتقل من المستوى الوطنى إلى المستوى الإقليمي، ويتم التركيز علي التفاعلات الأمنية التى تهدد وتخترق الحدود الوطنية، ويجري تحديد الاستقرار الأمنى القومى بما يحدث فى المنطقة الإقليمية التي تحيط بالدولة.
ويشير المصطلح إلى "مجموعة من الدول التى يرتبط تحقيق أمنها بباقى الدول بالإقليم". وهو جزء من نظرية بنفس الاسم للباحثين سالفى الذكر، تقدم إطارا تحليليا لدراسة الأمن علي المستوى الإقليمى: داخليا، أو بين الأقاليم وبعضها البعض.
وحسب النظرية، هناك أربع مستويات لتحليل المركب الأمنى:
أولا: المستوى الداخلى للدول بما يشمله من صراعات داخلية، ودرجة الاستقرار السياسي، ومستوى الحداثة، والأقليات، والتحديات الأمنية، والوضع الاقتصادى..
ثانيا: طبيعة العلاقات بين دول الإقليم، إما تعاونية أو صراعية، ولأى سبب: قد تكون لمشاكل الحدود- أمن الطاقة- أمن مائى- جيوسياسى- نفوذ أقليات..
ثالثا: العلاقات بين الأقليم والأقاليم المجاورة له: خاصة القوى الواقعة على حدوده.
رابعا: دور القوى الدولية ومدى تدخلها فى الإقليم، ونفوذها السياسى والعسكرى والاقتصادى والثقافى هناك.
ورغم ما يحمله هذا المفهوم من الأخذ من سيادة الدولة، يظل الأساس الواقعي قائما فى التحليل باعتبارالدولة طرفا أساسيا فى الأمن الإقليمى والعالمى.
ويعد الإقليم مستوى تحليليا جديدا، تمت إضافته لمواجهة أطروحات النظريات القائمة كالواقعية الكلاسيكية والهيكلية أو النظرية الليبرالية، والتى اعتمدت على الدولة والنظام الدولى والمؤسسات كسياقات للتحليل، بحيث يمثل الإقليم الوسيط بين السياقين.
ومن بين أربع حالات أو مركبات أمنية إقليمية طرحتها النظرية، يعتبر النظام الإقليمى فى الشرق الأوسط ضمن الحالة المركبة، وهى تتميز بالتداخل الشديد بين النظام الإقليمى والقوى الكبرى.
وعلى الرغم مما يفرضه هذا الوضع من تحديات، لكنه قد يمنح فرصا فى حال الاتفاق أو توافرت الإرادة الدولية لإدارة الصراعات، وهو الوضع الأقرب للتصور خلال المرحلة القادمة فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، ليس فقط لكونها قوة دفع للدور الأوروبي المتراجع مؤخرا، خاصة بعدما نجحت مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك التنسيق الأوروبي الأمريكى المتوقع والمخطط خلال الفترة القادمة، بعد أن ظل غائبا ومتراجعا خلال فترة الرئيس الأمريكى ترامب.
أمام النظام الإقليمى فى الشرق الأوسط فرص عديدة لبناء المركب الأمنى الخاص بالمنطقة، فهناك توازن تقريبى بين القوى الإقليمية، وهناك تأكيد على الآليات الدبلوماسية وتفضيلها على غيرها من الآليات من قبل دول كبيرة مثل مصر. أيضا فإن أزمة الوباء العالمى كوفيد 19 توفر كغيرها من الأزمات الإنسانية مساحة للحوار وقنوات للاتصال. إضافة إلى تطورات إقليمية كالحوار الغربي الإيراني المرتقب قبل الانتخابات فى يونيو من العام الجارى، وحالة عدم الاستقرار السياسى فى إسرائيل حتى الانتخابات القادمة.
هذا كله في سياق دولى يعكس عودة دور بارز للولايات المتحدة فى إدارة ملفات الأمن العالمى، ودعم الحلفاء الأوروبيين والشركاء الإقليميين الفاعلين فى المنطقة.. ومصر يمكن أن تكون أحد الشركاء بل أهمهم على طاولة المفاوضات.