أتصور أن كل أبناء أجيال السبعينيات والثمانينيات يمتنون لفن إسماعيل ياسين، باعتباره أحد أهم نجوم الكوميديا خلال القرن العشرين، الذى تربت على أعماله الكثيرة المتنوعة، فمدرستة الفنية كانت تعتمد على الأفلام العائلية النظيفة، التى لو كانت فى وقتنا الراهن لما صنفتها الرقابة أو نصحت بها لأعمار معينة، وقد كان "سمعة" نموذجا ارتبطت به العائلة المصرية، لذلك حظى بجماهيرية وشهرة لم يسبقه إليها أحد حتى بعد وفاته، ومازال نجماً مفضلاً للصغار والكبار، حتى بعد مرور نحو 50 عاماً على وفاته.
إسماعيل ياسين، فطن إلى كتابة تاريخ حياته وقصته مع الفن من خلال مسلسل إذاعى، والحقيقة أنه كان محايداً جداً عندما تناول سيرته الفنية، والمبدع الراحل أبو السعود الإبيارى، شريكه في الفرقة الفنية، وكاتب أغلب وأهم أفلامه ومسرحياته، لم يضع خطوطاً حمراء عندما كتب هذه المسيرة، فلم يخجل إسماعيل ياسين من والده، الذى أدمن المخدرات، وباع كل ما يملك من أجل ملذاته الشخصية، وكان ذلك سببا أساسياً في وفاة أمة مبكراً، ثم معاناته مع جدته التي كانت تعامله بقسوة غير مبررة، كذلك لم يخجل إسماعيل ياسين من فكرة أن والده كان يزور العملات المعدنية، " الشلن" و" النصف ريال"، من خلال سبكها على يديه اعتماداً على خبرته كصائغ محترف، وكيف كان يساعده فى تصريف هذه الأموال حتى يأكل ويشرب مع والده، الذى بات لم يملك شيء.
إسماعيل ياسين ذكر في سيرته الإذاعية التى أداها بصوته مع أبو السعود الإبيارى ومجموعة من الممثلين، قصة زواجه الأول، وما تعرض له من خيانة، فقد كانت الزوجة تواعد حبيبها السابق، وتخدع إسماعيل بأنها تذهب إلى أسرتها في الإسكندرية، وقد أخبره بعض أصدقائه بالتفاصيل كاملة، حتى صارح زوجته الخائنة بهدوء ومنحها الطلاق في صمت، ثم زواجه بعد ذلك من ثريا حلمى، التي كانت الحب الأول في حياته، وكانت فنانة مشهورة بفن المونولوج في تلك الفترة، وكانت تعمل معه في كازينو بديعة مصابنى، إلا أن القصة لم تستمر لأكثر من أسبوع لخلافاته معها حول تصرفاتها، ثم أخيراً دخول " فوزية" زوجته الثالثة والأخيرة وأم ابنه الوحيد، التي غيرت حياته، وجعلته يُقدس الأسرة ويكرس كل حياته من أجلها.
المتأمل في تاريخ الحركة الفنية بعد ثورة يوليو 1952، سيجد تراجعاً واضحاً في عدد الأفلام المنتجة، ودور العرض، نتيجة لعوامل عديدة، أهمها هجرة بعض الأجانب الذين كانوا يتحكمون في إنتاج هذه الصناعة، وفترة المخاض التي عاشتها مصر سياسياً واجتماعياً لتتحول من الملكية إلى الثورة، ثم الضرائب والتقديرات الكبيرة التي كانت تفرضها الدولة على دور السينما والمسرح في تلك الفترة، وأخيراً تأميم صناعة السينما، وتحويلها فى شركة كبيرة يتولى مسئوليتها القطاع العام.
نجم إسماعيل ياسين، لمع كثيراً مع الثورة على عكس الكثير من أبناء هذا الجيل، فقد صنع أهم أفلامه فى الفترة من 1954، حتى 1958، التى كان من بينها السلسلة التاريخية ومجموعة الأفلام التى حملت اسمه، " إسماعيل ياسين في الجيش - إسماعيل ياسين في الأسطول – إسماعيل ياسين في البوليس الحربى"، ولقد كان لهذه الأفلام أهمية ثقافية وتاريخية كبيرة جداً تتجاوز أي نجاح فنى أو مادى، نظراً لما سوقته هذه الأفلام عن الجيش المصرى، وكيف تم بناؤه من جديد ووسائل وأساليب تسليحه، وقدراته الجديدة التى تضاعفت بعد ثورة يوليو، كما شجعت آلاف الشباب على فكرة الجندية والتطوع، وقربت فكرة العسكرية والانضباط من وجدان المصريين، فأظهرت كيف يتحول الشاب الحائر الطائش الساذج، الذى لا يعرف أي شيء، إلى جندي صلب بمقومات ورؤية مختلفة، لذلك استحق "سمعه" أن يكون فنان الثورة الأول.
كانت هناك علاقة طيبة تجمع إسماعيل ياسين بضباط الثورة، وأكبر دليل على ذلك استكمال سلسلة أفلامه عن القوات المسلحة المصرية، وتسهيل حصوله على مسرح فى وسط البلد ليكون مقراً لفرقته المسرحية عام 1954، حيث يروى فى سيرته الذاتية ويقول:" دورنا على مسارح من أجل تأسيس الفرقة المسرحية فلم نجد، فمعظم المسارح تحولت إلى دور سينما، واستمرينا سنة كاملة نتفاوض مع الخواجات أصحاب السينمات، إلا أنهم كانوا بيعرضوا أرقام كبيرة جدا، وصاحب سينما الكورسال طلب ألف جنيه إيجار شهرى وهذا كان مستحيل، إلا أن أبو السعود الإبيارى اقترح الذهاب إلى "وجيه أباظة"، مدير الشئون العامة فى القوات المسلحة لإقناع الخواجة صولوبيانكو، لتأجير سينما ميامى الصيفى وتحويلها إلى مسرح، وبالفعل نجحنا فى ذلك مقابل إيجار شهرى 450 جنيها".
إسماعيل ياسين، سيظل أحد أهم عظماء الزمن الجميل، الذين قدموا فناً حقيقياً، وصدقوا مع الجمهور، ولم يعرفوا التجمل أو التحريف، بل كانت المصارحة والحقيقة أسلوبهم، حتى وإن عاندتهم الظروف، واختفت عنهم الأضواء والشهرة فى نهاية مسيرتهم الفنية.