لا يتصور وجود مجتمع إنسانى بدون وجود منظومة من القيم تحميه وتحكم وتضبط تصرفات العامة والخاصة، وإلا سنجد أن ليس هناك اختلاف بين المجتمع البشرى والمجتمع الحيوانى فى كثير من المواقف والتصورات والتصرفات، وهذا ظهر جليا ومريبا فى ظل الثورة التكنولوجية وعالم السوشيال ميديا الجديد، ليكون العالم أمام تهديد حقيقى لهذه المنظومة، وأمام نوع مستجد من الإدمان لا يقل خطورة عن أنواع الإدمان المشهورة كالمخدرات والقمار والجنس، الا وهى إدمان ركوب الترند و الإعجابات والمنشن بمواقع التواصل الاجتماعى، مستخدمين الجانب السلبى لهذا الكنز.
ليصبح "إزاى تركب الترند"، سؤال يبحث عنه الكثير، فى ظل عالم مفتوح لا رابط له ولا ضابط، فنجد يوميا صورا ونماذجا وقصصا تدعو للسخرية تارة والاشمئزاز تارة أخرى، ونموذجا على ذلك هناك من يتفنن فى نشر صور فاضحة لنيل تعليقات الإعجاب، ونرى أخرين يقومون بأفعال صادمة ويصرحون تصريحات صادمة لركوب الترند، رغم أنهم يعلمون أنها من الممكن أن يتسبب لهم هذا بمشاكل سواء بالسخرية منهم أو حتى تعرضهم للمحاكمة.
والعجيب، انخراط بعض الشخصيات العامة، ونخب محسوبة على الرأى العام، فى هذه البراثن بداعى الحرية أو التربح أو إدمان الشهرة، غير عابئة بقيم المجتمع، ولا بمدى خطورة ذلك على النشء، ولا بأن أفعالهم هذا ترسخ للانحطاط وتمهد السبل للتعدى على أخلاقيات المجتمع.
فكم من قصص وحكايات نقرأها ونسمع عنها يوميا، عن كثرة الخيانات الزوجية بسبب مواقع التواصل، وكم من فيديوهات وصور تدخل بيوتنا كل دقيقة تحمل فى طياتها ألفاظا خارجة وتعبيرات مزرية وصورة سلبية لانحطاطيات فكرية واجتماعية تكون مشاهداتها بالملايين، وتصبح قضية رأى عام تنصب لها الفضائيات برامج وحوارات، وتكون مادة تحريرية دسمة لمواقع إلكترونية لركوب الترند، متجاهلين بأن تسليط الضوء على هذه المشاهد، يعزز بل يشجع الناس على فعلها تحت شعار "طالما الحياة كدة نعمل زيهم" فتدهس الأخلاقيات بالأحذية، المهم حصد المشاهدات وتحقيق أرباح حتى ولو كان هذا بمثابة رقص على جثة المجتمع مرددين "طالما عاجب الناس خلاص !!!".
وكم من شائعات مضللة يتداولها بعض رواد هذه المواقع، تجبر الحكومات على بذل مجهودات للرد والنفى والتوضيح، وكم من أباءٍ وأمهات اتهانت على أيدى الأبناء، وكم من أطفال ذبحت بأيدى آبائهم، وكم من آراء انحرفت ووصلت للإلحاد والإنكار وشوكة فى ظهر الأوطان والمجتمعات، بداعى الحريات والحداثة، والسبب انهيار منظومة القيم من خلال محاولات ركوب الترند وتطبيق نظرية خالف تعرف.
ولهذا.. تتصاعد التحذيرات من هذا الإدمان ومن هذا الخطر القاتل، من قبل كافة خبراء الطب النفسى والأسرة والاجتماع، محذرين من الآثار السلبية، حال انتهاك منظومة القيم فى المجتمعات، لأنها تضرب العلاقات الاجتماعية في مقتل، وتهدد سلامة الإنسان صحيا واجتماعيا ونفسيا، فهل ينكر أحد ازدياد العزلة والانطواء بين الأبناء؟ وهل ينكر أحد كيف أثر هذا على فكر الشباب بصورة سلبية ظلامية، وضبابية لنشر أفكار مدمرة.
وهنا.. يجب علينا أن نتمسك بمنظومة القيم هذا، ولا نترك عالم السوشيال ميديا بالاستخدامات السيئة أن يقودنا إلى الهاوية، لأننا إذا أردنا أن نكون أمة ذات معنى وقيمة، علينا أن لا نركع للحداثة مثلما يريده هؤلاء، بل يجب أن نبنى جيلاً سليماً يقدر على قيادة هذا التطور إلى بر الأمان، لأن بقدر سمو ونقاء تلك المنظومة، يرتفع المجتمع وتسمو أفكاره وتحقق سنة الله في كونه..