فى سورة الكهف، آية عظيمة تخبرنا عن متاع الدنيا ومتاع الآخرة، وما يبقى ويدوم وينفع البلاد والعباد، وما يتبدل ويتغير، حيث قال تعالى :"المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً"، وهذا ما اتبعته دائماً الدكتور عبلة الكحلاوى، الأستاذة بجامعة الأزهر، وأحد أعلام الدعوة فى مصر خلال العقود الثلاث الماضية، حيث آثرت التجارة مع الله، والسعى نحو كل باقٍ فى مواجهة المتاع الزائل، وقد كرست حياتها وكل ما تملك لخدمة العمل الخيرى والدعوى.
الدكتورة عبلة الكحلاوى، فاضت روحها إلى بارئها أمس الأحد، بعد رحلة معاناة مع الفيروس المستجد استمرت لأسابيع، وقد كانت دعوات المحبين لها خير دليل على ما قدمته من خير وفضائل، وعطاء لا محدود، وقد رأت الحب الجارف من الجماهير الصادقة، التى تتوسم الخير دائما فى وجهها الهادئ وكلماتها الطيبة.
الدكتورة عبلة الكحلاوى كانت أما لكل من تعرفهم، وتوصى كل من لهم بها علاقة أن ينادوها "ماما عبلة"، وقد كانت تعاملهم بكرم وسخاء فائض عن الحد، وتواضع لم نعد نعرفه فى عالم اليوم، لتحتل مكانة خاصة جداً في القلوب، وتصبح أماً حقيقية لمئات وآلاف يعرفونها فى كل مكان، ويد تعطف على آلاف المحتاجين والمساكين وتكفل لهم المسكن والرعاية والحياة الكريمة، من خلال دار الباقيات الصالحات فى منطقة المقطم، التى أسستها لرعاية كبار السن ومن ليس لهم عائل.
من يعرف الدكتورة عبلة الكحلاوى، ويتابعها جيداً سيتأكد أنها كانت دائماً نموذجاً للرقى الإنسانى، وقد ظهرت على الفضائيات لسنوات عديدة، وفى قنوات عديدة، وبرامج بمسميات مختلفة، إلا أنها كانت دائماً بعيدة عن الجدل والخلاف والمناطق الساخنة، فلا إثارة ولا شو إعلامى، ولا اشتباكات، ولا استعلاء على الجمهور أو ألفاظ فى غير موضعها، بل اعتمدت دائما على قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، وهذا جعلها فى مكانة خاصة لدى المشاهدين والمتابعين، فلم تظهر لمرة واحدة كـ " تريند" بعد فتوى شاذة أو عبارة مثيرة للجدل، ولم تعرف التريند أبداً إلا بعد مرضها الأخير، فكانت كل الأيادى تتسابق فى الدعاء لها والبحث عن أخبارها.
رحم الله الدكتورة عبلة الكحلاوى، وأسكنها فسيح جناته، جزاء ما قدمت من خير وما اجتهدت فيه لتبين صحيح الإسلام ووسطيته، فقد كان أسلوبها السهل البسيط وعباراتها السمحة، وصورتها مع الرداء الأبيض، الذى لم تكن تظهر بدونه، تخطف القلوب، وتُدخل عليها روحانيات خاصة.. وداعاً عبلة الكحلاوى، فى جنات النعيم..