الجدل الدائر فى أوروبا الآن حول تعريف "الإسلام السياسى"، الذى قام به مركز حكومى نمساوى، خرج من محيط الجامعات ومراكز البحث العلمى إلى الجاليات الإسلامية والرأى العام هناك، وسط مخاوف ومحاذير من تعميم المصطلح ليشمل الاتجاهات المعتدلة والعنيفة فى سلة واحدة، بينما يرى المشرفون على "مركز توثيق الإسلام السياسى" بالنمسا "أن الأيديولوجية السياسية للإسلام تهدد الحرية ونموذج الحياة الأوروبى"، يخالفهم الرأى ممثلو الجاليات الإسلامية فى ألمانيا والنمسا، ويرون أن "مركز التوثيق وكالة أمنية وليست بحثية".
وقد حاولت رصد وقراءة وتحليل قضية "المصطلح النمساوى" بكل تداعياته والخلاف حوله، خاصة أنه جاء على خلفية مخاوف أوروبية متواصلة من العمليات الإرهابية ومطالب باندماج الجاليات الإسلامية فى مجتمعاتها الجديدة، وألا تتبع الجمعيات والمراكز الإسلامية أطرافا سياسية وخصوصا الجاليات التركية، لكن على الجانب الآخر يجب أن يتمتع البحث العلمى بحياد واستقلال، وأن يضع الظواهر فى سياقها بعيدا عن المؤثرات والتجاذبات السياسية، وأن يكون هناك تحددى واضح ومنضبط يفرق بين التيارات الجهادية العنيفة مثل تنظيمات داعش والقاعدة وتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، أو السلفية المتشددة وحركات الإخوان والحركات والجماعات المنبثقة عنها، وبين المسلم الوسطى المسالم الذى يريد التعايش وممارسة شعائره بحرية، وفي نفس الوقت الالتزام بما توفره البيئة الأوروبية من دساتير وقوانين صارمة تحترم الآخر وحرية الاعتقاد والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين جميع أتباع الأديان.
تشير ليزا فيلهوفر التى ترأست مركز التوثيق الجديد إلى أن تعريف الإسلام السياسى"هو أيديولوجية حكم تحاول التأثير وتشكيل الدولة والمجتمع والسياسة على أساس القيم التى يصفها الفاعلون فى الإسلام السياسى بأنفسهم بأنها إسلامية، لكنها لا تشاركها غالبية المسلمين. وهذه أيضًا قيم ضد حقوق الإنسان وموجهة ضد الديمقراطية وموجهة أيضًا ضد دولتنا الدستورية".
أما البروفيسور مهند خورشيد الذي يترأس المجلس الاستشاري العلمي لمركز التوثيق فيعرف الإسلام السياسي أنه: "أيديولوجية شبيهة بإيديولوجية الإرهاب، الإسلام السياسي في صيغته المختلفة لا يمارس العنف في أوروبا، فهم لا يلصقون أنفسهم بالعنف، ولكنهم يسعون لتحقيق أهدافهم من خلال الوسائل الديمقراطية، وفي نهاية المطاف يتجاوزون الديمقراطية نفسها".
أي أن الإسلام السياسي عند فيلهوفر وخورشيد تفسير مناهض للديمقراطية، يضع الغرب دائما على أنه عدو للإسلام، وهذا يعني: أن الشباب الذين ولدوا وترعرعوا هنا في أوروبا وكان من المفترض أن يندمجوا هيكليًا في نظام التعليم، و سوق العمل، لكن أيديولوجية الإسلام السياسي تقول لهم: "لا تتماهوا مع مجتمعات أوروبا؛ هؤلاء هم أعداؤك. يجب أن نندمج جيدًا في مجتمعات أوروبا من أجل التسلل إليها، من أجل إعادة تشكيلها من الداخل".
على خلاف مركز توثيق الإسلام السياسي والقائمين عليه، يرى عبد الصمد اليزيدي الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا:"أن مفهوم الإسلام السياسي غريب للغاية بالطبع، لأنه يتهم المسلمين في مجمله ويثير الاستياء والشك العام تجاه مجتمع ديني، منذ عقود ونحن في المجلس المركزي للمسلمين ندعو الشباب المسلم إلى الاهتمام ببلدهم، والمشاركة في السياسة والنقابات، ورفع أصواتهم، لكي ينخرطوا في المجتمع: هذا المصطلح معناه لم يعد الإسلام السياسي مشاركا في النشاط العام، إذن لدينا مشكلة كبيرة للديمقراطية في ألمانيا".
عبورا فوق الجدل الدائر في أوروبا فإن مصطلح الإسلام الأصولي (Islamic Fundamentalism) الأسبق تاريخيا وعلميا والمرتبط بالراديكالية أو التيار المتشدد، وهو مصطلح قديم كان يشير في البداية إلى العودة الراشدة إلى الإسلام، ثم تحول إلى مطالبة بعودة دولة الخلافة، وفر نمط حياة معينة على المجتمعات المعاصرة... وللحديث بقية مادام فى العمر بقية.