يملك الكاتب الصحفى وائل لطفى مشروعا مهما يكتب عنه يتعلق بالدعاة وعلاقتهم بالمجتمع المصرى وقدرتهم التأثيرية ودورهم فى صناعة المجال العالم، ومؤخرا صدر له كتاب بعنوان "دعاة عصر السادات" عن دار العين للنشر، والكتاب "مهم" وتأتى أهميته من زوايا عدة، منها أنه تقريبا يغير وجهة نظرك فى الكثير من الشخصيات التى ملأت الدنيا وشغلت الناس.
يمكن أن تنظر إلى فترة السبعينيات من القرن العشرين، من الزاوية التى تريدها، بعضنا يرها مرحلة نصر أكتوبر، وبعضنا يعتبرها نهاية الناصرية، آخرون يتحدثون عن الانفتاح والأزمات الاقتصادية، لكن وائل لطفى ينطق من فكرة أنها المرحلة التى صبغت المجال العام بالصبغة الإسلامية الشكلية، وأنها فترة انطلاق ما صار يسمى بعد ذلك بـ الدعاة الجدد.
عندما انتهيت من الكتاب تيقنت أن لا شىء خالص، كل الأمور متشابكة ومتداخلة، حتى مرحلة عودة الإخوان المسلمون للحياة السياسة فى مصر بعدما همشهم النظام الناصرى، نجد من يقول لنا، إن الأمر بدأ في نهايات عهد جمال عبد الناصر، وأن السادات زاد فى الأمر فقط، ولكن وائل لطفى يرى أن ما فعله السادات مع الجماعة كان جديدا ومختلفا فى كل شىء، لقد فتح الباب واسعا أمامهم، وهذا ما كانوا يحتاجونه، لقد كانت البداية فى الجامعات، وهنا عاد الكتاب إلى مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح" الذى أسس الجماعة الإسلامية فى بداية السبعينيات فى جامعة القاهرة، ليؤكد أن التحولات التى صار على المجتمع الإسلامى مواجهتها خطيرة جدا.
فى الكتاب سوف تجد كلاما مهما عن الشيخ الشعراوى، وعن علاقته بالسياسة وبالإخوان المسلمين، عن مدحه للملك، وحبه للوفد، عن آرائه ومواقفه وفتاويه، لقد كانت المعلومة الأغرب بالنسبة إلىَّ أن الشيخ الشعراوى منذ بدايات الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات كان تقريبا خارج مصر.
المهم أن الكتاب يتحدث عن أشياء كثيرة تخص الشيخ الشعراوى منها، ذكاؤه فى التواصل مع الناس، وكيف أن التليفزيون أفاده بشكل كبير، ويتحدث عن علاقته بالسادات، وأمور أخرى كثيرة.
كذلك نجد فى الكتاب كلاما مهما عن الشيخ كشك وسخريته من المجتمع، مؤكدا أنه بمثابة "توك شو" فقد كانت خطبه تعليقا على أحداث يقدمها بالطريقة التي يريدها، فيقيم قياسات غير منطقية، وقد فعل الشيخ كشك كل ما فعل فيما لا يتجاوز السبع سنوات (1974-1981) وبعدها صمت الرجل، ولكن ظل المصريون يجترون خطبه ويتأثرون بها، كما يتحدث الكتاب عن علاقته بالسادات، وعن معاركه ضد الفنانين وضد المثقفين.
فى الكتاب كلام عن الشيخ محمد الغزالى، الرجل الذى يقوده عقله فيخرج من جماعة الإخوان المسلمين ولكنه يظل منتميا إليهم بصورة ما، ولدينا أيضا جزء مهم عن عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر فى هذه الفترة، وعن رغبته العارمة فى خلط الدين بالسياسة.
وألقى الكتاب ضوءا مهما على شخصية إبراهيم عزت مؤسس جماعة التبليغ والدعوة، وكشف عن وجوه له ليست معروفة ولا مشهورة، بينما كان السيد سابق مكشوف الوجه فهو "مفتى الدم" كما يطلق عليه، وفى النهاية يأتى أحمد المحلاوى، الذى اكتسب شهرته من هجوم السادات عليه، فى آخر خطبة للرئيس فى مجلس الشعب فى سبتمبر 1981.
الكتاب لا يورد هذه الشخصيات بصورة عشوائية، بل يوجد خيط واحد يجمعها هو علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، بطرق متعددة سواء بالتواصل المباشر أو بتبى أفكارها، كذلك قدرتها على الانتشار والتأثير في البيوت المصرية.
وفى النهاية أقول، إن هذا الكتاب يستحق القراءة، لأنه يكشف لنا كيف اختلط الأمر علينا، وكيف استغلنا البعض، كما يوضح لنا كيف كانت تسير مصر في السبعينيات.