"رئتاى مفتوحتان على البحر/ وقلبى على الضجر/ وعيناى على الأرق/ ويداى ممدودتان للأحلام/ التى لم تأت بعد"
عندما تقرأ "كتاب الأرق" للشاعر سامح قاسم، ستجد نفسك تعيد قراءته مرة وأكثر، ستنتابك رغبة قوية فى معرفة كيف يُخلص الشاعر لفكرة ما، ويتتبعها بهذا الدأب الشعري، ويرصد كل تفاصيلها.
النوم/ ما أحلاه/ موجات من المحبة/ لو لم تكبحها/ الكوابيس
يعرف سامح ق اسم أن للأرق معجما فلجأ إليه، واستعان به، فى تقديم صوره، فخاطب الليل والنهار، تحدث عن النوم وجعله يشبه المحبة، وتحدث عن اليقظة وما تثيره من فزع، بينما الكوابيس تهدد كل شيء.
فى النوم/ يموت البعض/ وأنا تميتنى/ اليقظة
لو نظرنا إلى الذات الشاعرة سوف نرى تشاؤما يسرى فى النصوص، يمسك فى الكلمات ويخاطب القارئ، يقول له اغمض عينيك، لا شيء يستحق.
الأرق / لا يتسامح أبدا/ ولا أمل فى النجاة من نصله/ الجارح/ ومتمسك جدا/ بدوره/ فى إثبات بذاءة/ النهار
فى الكتاب نرى كل شىء يدور حول الأرق، وما يفعله فى الإنسان، إنه يلعب دور البطولة، ويحكم سيطرته على كل شيء، إنه جارح مثل نصل سيف، عنيد لا يتنازل أبدا عن دوره المؤذي، يريد أن يكشف السوء حتى فى النهار.
يقولون إن النوم/ موت صغير/ فإذا كان ذلك/ كذلك/ فلا ريب أن الأرق/ هو الجحيم
الجحيم هو الكلمة التى يخشاها المبدعون دائما، تمثل لهم هاجس خوف، ولكنه عادة ما يأخذ معانى ودلالات مختلفة، والجحيم هنا هو الأرق، بما يدل على ألمه ووجعه لأنه يستدعى تصوراتنا الدينية والتراثية بشكل عام عن الجحيم ووحوشه وناره التي نخشاها ونتمنى أن نبعد عنها.
الذين لا ينامون باستفاضة/ عيونهم كقروح الأرض/ تنبت الأعشاب/ الضارة
يدفعنا النص الشعرى للتعاطف بقوة مع هؤلاء المصابين بالأرق، إنهم لا ينامون باستفاضة، إن عيونهم "موجوعة وموجعة" مثل قروح، وبالطبع لو كانت هذه القروح أرضا، فهي لا تنبت شيئا ذا قيمة، فقط تنب أعشابا ضارة ومؤذية للنفس والآخرين.
الليل/ موطن الغبار/ والفوضى/ وما من فرصة/ للنجاة/ إلا أن تبقى بعيد.
ولكن كيف نبقى بعيدا، خاصة بعدما نفكر مرة ثانية في قراءة الكتاب، والوقوف عند صوره ولغته، موقنين بأن سامح قاسم، ظل كثيرا يتأمل هذه الحالة من الألم النفسى قبل أن يفكر في الكتابة عنها.