في 3 فبراير 1975 رحلت سيدة الغناء العربي وكوكب الشرم أم كلثوم. ورغم مرور 46 عاما فمازالت حاضرة بصوتها وغنائها، الذى يمتع حتى الأجيال التي لم تعاصرها. مازالت حاضرة أيضا في أطلال فيلتها الواقعة على نيل الزمالك، بعد أن باعها الورثة، وأهدروا واحدة من هم مقتنيات وتراث الست، في ظل عدم وجود قانون يحمى تراث النجوم والمشاهير والقادة. فما بالنا وهذه أم كلثوم أيقونة مصر بفنها ومواقفها وشهرتها التى فاقت شهرة الكثير من الرؤساء العرب في زمنها.
رغم الرحيل مازال تراث أم كلثوم موضع جدل وصراع.. من له حق امتلاكه والتصرف فيه كيفما شاء؟.
في الدول الأوروبية هناك تقدير للمبدعين والفنانين واحترام لإسهامهم الإنساني والحضاري بصوره المختلفة، فى الآدب والعلم والموسيقى والفن عموما، فيتم تكريمهم التكريم اللائق بهم في حياتهم. وبعد مماتهم يصبح تراث الفنان ملكا للشعب، وتلتزم الدولة بالحفاظ عليه، وكثير ممن يسافرون للخارج وتستهويهم زيارة بيوت الفنانين والأدباء والمشاهير يجده على حاله مع اهتمام الدولة به وتحويله الى متحف يضم أعماله وتراثه.
في مصر الوضع مختلف لا أعرف لماذا.. فبعد رحيل الفنان والقائد والمبدع يتكالب الورثة على تركته، بما فيها أعماله الفنية ومنزله ومقتنياته الشخصية، أو حتى التى حصل عليها كهدايا من زياراته الخارجية.
المقتنيات والمتعلقات الخاصة بالست أم كلثوم – بعد كارثة هدم الفيلا في السبعينات وبناء فندق مكانها- نفاجئ كل فترة بأنها تباع في مزاد خارج مصر، وهى المقتنيات التي لا تقدر بثمن.
فهل هذه المقتنيات ملكية خاصة للورثة يتصرفون فيها كيفما شاءوا ليحصل عليها هواة جمع التراث في العالم وحرمان الملايين من مشاهدتها.. ولماذا تغيب الجهات المعنية في مصر عن جمع مقتنيات وتراث أم كلثوم في متحف خاص بها وإمكانية إصدار قانون خاص بتراث المشاهير.
أتذكر ما حدث فى دولة الإمارات العربية المتحدة فى إمارة دبى عام 2008، عندما فوجئ ملايين من عشاق ثومة بإعلان دار كريستنيز البريطانية الشهيرة عرض العقد النادر الذى أهداه المغفور لله الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات وحاكم أبو ظبى وقتها للسيدة أم كلثوم عند زيارتها للإمارة عام 1971 فى إطار جولاتها العربية والعالمية لصالح المجهود الحربى لمصر فى استعدادها لمعركة التحرير ضد إسرائيل.
وكان الشيخ زايد رحمه الله واحدا من عشاق الست وله تاريخ طويل في دعم حركة الفن في مصر، وكان حرصه على دعوة سيدة الغناء العربي أم كلثوم لزيارة أبو ظبي عام 1971، في عيد جلوسه الخامس أصدق دليل على اهتمامه بالوعي والثقافة والفنون. وتم الاتفاق على أن تقيم أم كلثوم حفلين في أبوظبي، حفل يحضره القائد والشيوخ والوزراء وضيوف الدولة، وحفل آخر للجمهور.
العقد كان من اللؤلؤ الثمين صنع عام 1880 تقريبا، ويحتوي على 9 صفوف مكونة من 1888 لؤلؤة طبيعية مطعمة بالأحجار الكريمة، ويشبه بتصميمه القلادات الهندية.
وعقب إعلان صالة مزادات كريستي عرض العقد قامت الدنيا ولم تقعد وتناولت وسائل الاعلام الاماراتية الحدث وطالبت بضرورة استرجاع العقد بأى ثمن، وبالفعل قرر أولاد الشيخ زايد استرداده بأى ثمن وكان معروضا وقتها بحوالى 120 ألف دولار. لكن أعلن مدير الدار أن العقد تم بيعه بحوالى 1.3 مليون دولار ولم ترغب كريستي في الكشف عن هوية المشتري الذي قيل إنه جلس في الصف الأول في المزاد.
هذا العقد واحد من قطع قليلة احتفظت بها أم كلثوم من مقتنياتها، حيث إنها تبرعت بمعظم ثروتها خلال حياتها للقضايا الإنسانية ومن أجل الفقراء.
مقتنيات كثيرة تم بيعها وإهدارها وضاعت على الدولة فرصة لجعل متحف أم كلثوم بما يضم من أشيائها الخاصة وتراثها الفني مزارا سياحيا يقصده الآلاف والملايين من عشاق الست، وفى مناسبة الرحيل لأم كلثوم نطالب الحكومة بإنشاء متحف ضخم يليق بالست وفنها وإبداعها ودورها الوطنى والقومى، ويضم كل تراثها ومقتنياتها ومتعلقاتها الخاصة المتناثرة حول العالم.
تراث الفنانين والمبدعين والعلماء والقادة ليس ملكا لأحد وانما هو ملكا للشعب وللتاريخ.