تستحق أمهات الشهداء لقب "الأمهات المثاليات" بجدارة، ذلك بأنهن قدمن فلذات أكبادهن وأغلى ما يملكن فى هذه الحياة فداءً لمصر وترابها، صابرات محتسبات، راضيات بقضاء الله وقدره، بيد أن شرف الشهادة ومنزلتها من الأشياء التى تجعل مصيبة الموت تنزل على قلوبهن بردا وسلاما، بل وترى كثيرا منهن يسارعن للإعلان عن استعدادهن لتقديم المزيد من التضحيات حبا في مصر.
مفهوم الوطنية وحب الوطن وترسيخهما فى نفوس الأبناء، معركة كبرى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، معركة تستحق من الجميع الصبر والمثابرة، كونهما يؤثران تأثيرا مباشرًا على قضايا الوطن الحالية والمستقبلية، إن شئت قل إن البعض يختلط عليه مفاهيم ظلت راسخة وثابتة على مدار تاريخ مصر، تلك المفاهيم تتعلق بالدولة الوطنية، فى وقتنا الحاضر وفى ظل ادعاءات باطلة وكاذبة يروج لها البعض، يتضح لنا الدور الكبير الذى ترسخه الأمهات فى عقول أبنائهن.
إن الأمهات يقع على عاتقهن مسئولية كبرى، تتعلق بزرع حب الوطن والانتماء إلى ترابه، جنبا إلى جنب مع خوض معارك الحياة المليئة بالصخب والتفاصيل الكثيرة، حتى نستطيع القول بأننا بصدد جيل عصى على الاختراق، وقادر على خوض المعارك بمفهومها القديم والجديد بكل شجاعة واقتدار.
أظن وبعض الظن إثم، أن الأمهات اللاتى يسعين إلى تربية وتعليم أبناءهن، ويغفلن زرع حب الوطن والانتماء إليه، مثلهن مثل المرأة التى نقضت غزلها من بعد قوة، فهذا متخصصا يسعى لجمع الأموال من جيوب أولياء أمور التلاميذ، وآخر حول مهنته المقدسة إلى تجارة، وثالث استغل منصبه فى جمع الأموال الطائلة بطرق غير مشروعة… إلخ.
نحن أمام نموذجين الأول أمهات ربين أبنائهن على التضحية والانتماء فأبلين بلاء حسنا فربحن وكسبن "معركة" الفائز فيها "الوطن"، واستحقت كل منهن لقب "الأم المثالية"، والنموذج الثانى أمهات أغفلن ذلك الجانب عند تربية أبناءهن، فخسرن المعركة وقدمن نموذجا ماديا جشعا لا يفيد ، بل إنه تحول إلى طاقة استنزاف لمقدرات الفقراء والمساكين. يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْض".