لم يكن محمد على كلاى ملاكمًا عاديًا، ولم تكون أسطورته الحقيقة تكمن في الملاكمة، بقدر ما كانت في أفعاله ومواقفه الواضحة التي لا رمادية فيها، وهذا ما دفعه لاعتناق الإسلام فى مثل ذلك اليوم 8 فبراير عام 1960، قصص كثيرة عاشها محمد على مع الملاكمة، بعضها أرتبط بحياته بعد الإسلام ارتباطًا وثيقًا، وأخرى سطرت أسطورته الحقيقة التي جعلته وأحد من أفضل رياضي التاريخ.
فى عام 1965 أعلن الاتحاد الأمريكي للملاكمة عن سحبه لقب بطل العالم من محمد على بسبب موقفه الرافض لأداء الخدمة العسكرية فى الجيش الأمريكي، خلال حرب فيتنام، وبعد عامين من سحب اللقب من "على" وإعطائه للملاكم "إيرني تيريل" قرر الاتحاد الأمريكي التراجع عن قراره، ودعا محمد على لمباراة تجمعه مع "إيرني تيريل".
استفزازات بالجملة وجهها "إيرني" لمحمد على قبل المباراة، كان أكثرها سوءً حينما تعمد مناداته باسمه القديم "كاسيوس كلاي"، وهو ما دفع "على" لتوجيه سؤالًا بديهيًا جدًا إلى الملاكم "إيرني تيريل"، وقال له لماذا تدعونى بـ"كاسيوس كلاى" بينما الجميع يدعوني بـ"محمد على" ؟، ذلك السؤال الذى أخفى بداخله غضب شديد أشعله "إيرني"، حينما أصر أن يستخدم أسم "على" القديم الذى يرفضه، منذ أن أعلن إسلامه.
لم تتوقف استفزازات "إيرني" عند مناداة على بـ"كاسيوس"، ولكنه سجل أغنية خصيصًا لـ"على" قبل المباراة التى ستجمعهما فى "هيوستن" أكبر مدن ولاية تكساس الأمريكية، وقال فيها موجهًا حديثه لـ"على": "هل أنت خائف مما سأفعله بك؟، أليس من العيب أنك غيرت أسمك؟، لذا سأغير أنا ملامح وجهك أيضًا".
رغم الشحن الكبير الذى شُحن به "على" قبل المباراة، لم يكن قتاله ضد "تيريل" سهلًا أبدًا، فقد كان كبير الحجم والقوة، وكان يفوق "على" طولًا فضلًا عن أنه لم يهزم على مدار خمس سنوات، ولكن "على" كان قد قطع على نفسه وعدًا بسيطًا للغاية وهو أن يجعل "تيريل" ينطق باسمه الحقيقى داخل الحلبة.
بدأت المباراة بقوة حتى وصلت إلى جولتها السابعة، وبدأت الدماء تسيل من وجه "تيريل"، وبدأ عليه الإنهاك الشديد، هنا بدأ محمد على فى توجيه سؤالًا مرارًا وتكرارًا على مسامع "تيريل" الذى لم يعد يرى أي شيئ أمامه قائلًا: ...
What’s my name? .. What’s my name?.. What’s my name?
وانتهت المباراة بفوز "على" على خصمه بعد أن اثبت للجميع بأن أسمه هو "محمد على" وليس "كاسيوس كلاى".
بعد المباراة قال محمد على: "أنا لا أكره "تيريل" .. أنا لا أكرهه أنا حقًا لا أكره أى أحد.. ولكنه لا يروق لى نسبة لما كان يقوم به من أفعال.. والطريقة التى كان يتصرف بها، وإصراره على أن يناديني بـ"كاسويس كلاي".. وهو يعلم أن أسمى محمد على وأنا مسلم.. والكلام فى هذا الموضوع يكون جدي دائمًا، فأن لا أمزح فى الدين أو الأسماء.. لقد أغضبني حقًا.
فى عام 1974 كانت أنظار العالم تتجه نحو الكونغو الديموقراطية، أو كما كانت تعرف فى ذلك الوقت بـ"زائير" فمحمد على بطل العالم السابق للملاكمة فى الوزن الثقيل، والذى هزم لأول مرة فى تاريخه على يد الملاكم الأسطوى "جو فريزر"، وباتت أسطورته على المحك، سيلاقى جورج فورمان، بطل العالم.
لم يكن الرهان للمرة الأولى يصب فى صالح الفتى الذي رفض القتال فىيتنام، ودفع ثمن مواقفه السياسية الكثير، ففورمان بطل العالم فاز على ملاكمين استطاعوا هزيمة "على" للمرة الأولى فى تاريخه، وبكل سهولة، ما جعل الرهان فى صفه.
ولكن ماذا كانت الخطة، التى وضعها "على" ليسترد مكانته، ويثبت أنه الأعظم في كل الأوقات، بدأت المبارة هادئة كلا الملاكمين تبادلا اللكمات، وفى الجولة الثانية بدأ محمد على تنفيذ خطته، اتكئ على أحد جانبي الحلبة، وفتح المجال لفورمان لضربه.
ماذا تفعل يا "على" وفيما تفكر؟، هكذا كانت العقول الحائرة التى تشاهد المبارة، تنطق فى صمت، فى الوقت الذي كان فيه على يتفادى ضربات فورمان ولا يردها، إلا بمزيد من الاستفزاز لخصمه قائلًأ: "أرني شيئًا مميزًا إيها الطفل، أنت مجرد فتاة"، فتزداد لكمات فورمان قوة وتسحب طاقته شيئًا فشيئًا.
هنا جاء الجزء الثاني من الخطة، وحينما شعر على بالتعب يظهر على فورمان، بدأ تسديد سيل من اللكمات إليه، لم يستطع فورمان تفاديها، وسقط على الأرض بالضربة القاضية، لتعلن فوز محمد على وعودته لمكانته، وتفتح المجال لاعتزال فورمان الملاكمة.
ماذا قال فورمان عن "على": "لقد كان أعظم رجل قابلته فى حياتى، أن يقال بأنه الملاكم الأعظم على الإطلاق فهذا تقليل منه، لقد كان أكبر من الملاكمة، أنا أعني أن كنت ممثلًا وقابلت محمد على، فستصبح ممثل أفضل، ومحاميًا أفضل، وطبيبًا أفضل.
وعن مهارات "على" فى الحلبة قال فورمان: "لم يكن الأفضل فى قوة اللكمات، لم يكن الأفضل فى أي شيئ، ولكن حضوره، حينما تدخل الحلبة معه ستعلم حينها أن هذا شيئ مختلف، ولن تستطيع أن تهزمه، من الأفضل أن تحلم أن تلكمه، لن يدعك تفعل ذلك، لقد كان يقول: "أتيت إلى هنا جميلًا، وسوف أغادر جميلًا".
تايسون القاطرة البشرية يبكي على الهواء وهو يستعيد ذكرى محمد على الذي توفى عام 2016 قائلًا: "محمد على عملاق، لا يمكن لأي مقاتل أخر أن يتقارن به، أنه مستعد للموت ليحقق هدفه، أنا لست مستعدًا للموت فى سبيل هدفي.