حينما يحتدم العراك بين أخين-أي أخين- (لحد الضرب) ويتدخل أخ ثالث لهما لفض هذا العراك فإنه يعلم جيدا أنه قد يصبه ضرباتهما المتطايرة هنا وهناك، لكنه لحبه وحرصه على شقيقيه، يتدخل ويحاول أن يبعدهما بل ويقوم بتهدئتهما تمهيدا للمصالحة بينهما؛ حتى لو أصابه ضرر منهما.
هذا المثال البسيط، يجسد معنى الدور التاريخى الذى تقوم به مصر تجاه أشقائها في فلسطين، فالبرغم من تعقد المواقف بين الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهما حركتى فتح وحماس، إلا أن مصر لم تتوان يوما في محاولة اختراق تلك التعقيدات ومحاولة إذابتها أملا في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية تسهم بشكل قوى وفعال في استرجاع الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وتأتي استضافة مصر ورعاية القيادة السياسية لجلسات الحوار الوطني الفلسطيني بمشاركة 14 فصيلا على رأسها حركتى فتح وحماس، استكمالا لدور مصر المساند والداعم للقضية المركزية للأمة العربية والإسلامية (القضية الفلسطينية)، وفى إطار محاولاتها الدءوبة لإنهاء الانقسام بين الفلسطينيين والنزاع القائم، وتؤسس لانتخابات تشريعية تنهى حالة الانسداد السياسى، التى أنهكت الدولة الفلسطينية ومؤسساتها.
ولا يخفى على أحد الأزمة بين الفصائل الفلسطينية بدأت منذ إجراء آخر انتخابات تشريعية فلسطينية عام 2006، بسبب خلافات على نتيجة الانتخابات أدت إلى اندلاع اشتباكات دامية بين الطرفين وانقسام سياسي، وبسبب تمتع مصر بثقل سياسى تاريخى في المنطقة ومصداقية وثقة لدى كل الأطراف الفلسطينية، لذا كان دائما لتدخل مصر فى الوساطة بين الأطراف الفلسطينية لأكثر من 15 عاما، دور كبير في تحقيق تفاهمات جوهرية بين الطرفين، ما يبرهن على أن مصر تمد يدها لفلسطين دون الاكتراث لأى مصلحة سوى مصلحة فلسطين، والشعب الفقلسطينى المناضل؛ الذى يستحق كل الدعم من أجل نيل حريته وإقامة دولته.
مصر الآن تتحرك بقوة وإصرار أكبر على دعم القضية الفلسطينية، وتأكيد ثوابتها وحشد الدعم العربى لها، ففى يوم الاثنين الماضى 8 فبراير، عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا بدعوة من مصر والأردن بشأن فلسطين، انتهى بصدور قرار جماعى يؤكد ثوابت القضية الفلسطينية، حيث وصف أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، هذا الاجتماع وما دار فيه من نقاشات، بأنه أهم اجتماع يخص القضية الفلسطينية منذ تولى مسئولية منصب الأمين العام، كما قال رياض المالكى وزير الخارجية الفلسطيني، أن هذا الاجتماع استطاع القفز على أزمات كثيرة، وهذا أيضا يؤكد أن مصر تظل المحاور الإقليمى الأكثر قبولا في المنطقة بمختلف القضايا خاصة القضية الفلسطينية.
للأسف ما يعطل وصول قطار القضية الفلسطينية لمساره المنشود-إقامة الدولة- هو الانقسام الفلسطيني بين أبناء البلد الواحد، ومن المهم جدا أن يكون لأطراف الأزمة نية حقيقية في الوصول لمصالحة وطنية تدفع بقطار القضية لمحطة الوصول الأمنة، وما تبذله مصر من جهود حثيثة لتنقية الأجواء وتصفية الخلافات بين الأشقاء الفلسطينيين، يعتبر الأمل الوحيد في تحقيق أي مصالحة حقيقية، لأنها مساعدة دون مصلحة؛ مساعدة مخلصة لشعب مناضل أبى قلما يجود به الزمن.