لا أعرف السبب وراء انزعاج دار الإفتاء المصرية من الأخبار الخاصة بإعلان بدايات الشهور العربية من جانب معهد الفلك أو هيئة المساحة المصرية، التابعة لوزارة الرى، فالمعهد مسئول فنياً عن الحسابات الفلكية، وما يرتبط بها من ظواهر مختلفة مثل الكسوف والخسوف، واستطلاع الأهلة، وكذلك هيئة المساحة التي تملك المراصد والأجهزة التي تتم بها عمليات الاستطلاع، وتحدد لنا مواقيت الصلاة.
أتصور أن دار الإفتاء ترى القضية فى زاويتين الأولى، أن أى إعلان لبدايات الشهور العربية اعتداء على حقها واختصاصاتها، خاصة أن الصورة الذهنية لدى الناس عن هذا العمل ارتبطت منذ سنوات طويلة بالدار، خاصة فى رمضان والعيدين الفطر والأضحى، والسبب الثانى أن دار الإفتاء مازالت ترى أن الرؤية الفعلية للهلال هى سند الإثبات فى بدايات الشهور مع أن هذا المعتقد تجاوزه الزمن، فمن غير الممكن أننا مازلنا فى العام 2021 ونعتمد على الرؤية البصرية أو من خلال الأجهزة المكبرة التقليدية، فالعلم بات قادراً على التنبؤ بكل الظواهر الفلكية والجوية بدقة متناهية، ويجب أن تتطور الفتوى، ويتطور الفهم لقضية رؤية الهلال بما يتواكب مع معطيات العصر.
ارتباط دار الإفتاء بفكرة رؤية الهلال واستطلاع الشهور العربية يجب أن تخضع للتطوير، وعلينا أن نترك الموضوع للعلماء المتخصصين في الفلك والمساحة والقياسات الجغرافية والفنية، فكما تحارب الدار غير المختصين في أمور الفتوى من الظهور على الفضائيات أو التصريح للصحف، عليها أن تترك استطلاع الشهور لمن يعرفونها ويحددونها، وتتخلى عن اللجان والأئمة والأعداد الكبيرة التى تخرج مع الراصدين دون فائدة، مع الإبقاء على فكرة إعلان المفتى رسمياً لبدايات الشهور العربية، من خلال مؤتمر صحفى، ولكن وفقاً للحسابات الفلكية الصحيحة، دون إدخال فكرة الرؤية الشرعية في الموضوع، التي قد تختلف من شخص لآخر، وتتفاوت في التقدير، وتفتح باباً للخلاف، خاصة مع ارتفاع نسب التلوث في الجو، والضباب الذى يعيق الرؤية في فصل الشتاء.
أتمنى أن يجتهد علماء دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف لوضع تفسيرات وفهوم عصرية لحديث النبى صلى الله عليه وسلم حول تحرى الهلال، والوضع في الاعتبار التطور العملى الكبير الذى نشهده الآن، خاصة فى علم الفلك وغزو الفضاء، لذلك أتمنى أن يتم اعتماد الرؤية الفلكية للهلال كمرجع لبدايات الشهور العربية، وأنا على ثقة أن دار الإفتاء ومن على رأسها يعرفون ويقدرون جيداً قيمة العلم، وينفتحون دائماً على كل تجديد وتطوير ينفع الناس.