مر أسبوع وحتى كتابة هذه السطور لم تعلن أيّة جهة إرهابية مسئوليتها عما حدث لطائرة مصر للطيران القادمة من باريس والتى أسقطت فى المياة الإقلمية المصرية ، كنت أنا والجميع ننتظر أن تعلن هذه “الدولة الإسلامية” مسئوليتها عن التفجير ، وخاصة أنها كانت قد سارعت بإعلان مسئوليتها عن تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء ، الأمر الذى يضيف لغزا جديدا إلى مجموعة أخرى من الألغاز حول هذه الجريمة البشعة.. وبعيدا عن تلك الافتراضات والاتهامات والتكهنات والبحث عن الصندوق الأسود وما سوف يسفر عن محتويات داخل هذين الصندوقين ، علينا أن نسال أنفسنا ماذا سيحدث إذا لم يتم التوصل إلى الصندوق الأسود ؟
هل انتهى الأمر وضاعت الحقيقة ومعرفة ماذا حدث لهذه الطائرة ؟
الإجابة لا ..لأننا نستطيع معرفة كل الحقائق وماذا حصل بالضبط للطائرة من خلال القاعدة البريطانية والأمريكية فى قبرص و التى يُطلق عليها جزيرة التجسس الأمريكى - البريطانى على الشرق الأوسط .
منذ فترة ليست ببعيدة ووسائل إعلام غربية تكشف عن معلومات قد حصلت عليها من إدوارد سنودن الخبير التقنى السابق فى وكالة الأمن القومى الأمريكى ، والتى كشفت أن الأمريكيين يمارسون التجسس على دول الشرق الأوسط من قاعدة عسكرية بريطانية موجودة فى منطقة Ayios Nikolaos والتى تعتبر أهم مركز للتجسس تابع لمديرية الاتصالات التابعة للحكومة البريطانية GCHQ.
ويقع مركز التجسس البريطانى هذا فى القسم الشرقى من الجزيرة وعلى حدود ما يُعرف بالخط الأخضر الفاصل بين قبرص اليونانية والشطر التركى.
وتوجد مبان تعلوها "لاقطات هوائية" وأجهزة تنصت ، وتحيط بها تلال بحيث يُحظر على المدنيين الاقتراب منها ، وهى تبعد خمس كيلومترات عن الشاطئ وخمس كيلومترات عن أقرب مدينة مجاورة.
والمعروف أن البريطانيين أقاموا هناك فى نهاية الأربعينيات أكبر مركز للتجسس على منطقة الشرق الأوسط، ويقوم فنيون من مديرية الاتصالات التابعة للحكومة البريطانية ووكالة الأمن القومى الأمريكى ، بالتنصت على مصر والعراق وسوريا ولبنان وغيرها من بلدان المنطقة.
ويتيح الموقع الجغرافى الاستراتيجى لهذا المركز نشاطات التنصت، حيث لا يبعد عن سوريا ولبنان وإسرائيل أكثر من 100 كيلومترا .
وفى السنوات الأخيرة تحولت قبرص إلى وكر تجسس رئيسى للبريطانيين والأمريكيين على بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالإضافة إلى المنشآت التقنية على أسطح مبانى المركز و"اللاقطات الهوائية" ، تمتد فى أعماق البحر كيلومترات من الكابلات بحيث أن مكالمة هاتفية أو رسالة إلكترونية من برلين إلى بيروت أو تل أبيب، تلتقطها أجهزة التنصت البريطانية والأمريكية ، و لولا سنودن ما عرف العالم أن هذه الممارسات هى عمل روتينى وأساسى لأجهزة المخابرات السرية.
إن الهدف الأساسى للاستخبارات البريطانية هو السيطرة على الإنترنت ، ففى كل ثانية يتم التقاط مئات "الجيجابايت" التى تحتوى على عدد كبير من المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية والمعلومات المصرفية.
ولابد من القول أن هناك فريق محددا من النساء والرجال متخصص فى التجسس على حليفتهم إسرائيل أيضاً ، والتى يتعاون البريطانيون والأمريكيون معها فى الوقت نفسه ، فى تبادل المعلومات التى يتم التقاطها من البلدان العربية.
كما أن هناك فريق دولى مهمته فرز المعلومات التى يتم جمعها ، وغالبا ما يحصل هؤلاء على إطراء من قادتهم عند نجاحهم فى الكشف عن معلومات مهمة ، علماً بإن البريطانيين أرادوا عدة مرات إغلاق المركز لدواعى خفض النفقات ، ولكن تدخل الأمريكيين جعلهم يتراجعون لأنهم لا يريدون خسارة قاعدة التجسس المهمة ، وقدموا مساهمات مالية للإبقاء عليها بحيث يتحمل الأمريكان نصف التكاليف ، ولذلك أصبحت بريطانيا حريصة على استمرار نشاطاتها فى قبرص، مراعاة لعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية .
وحسب المعلومات، فإن بريطانيا تستخدم القاعدة الموجودة فى قبرص منذ عقود للتجسس على الحكومات الأجنبية والأفراد فى منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ، بما فى ذلك المنظمات التجارية والسفارات الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة.
و السؤال المطروح الذى يكمن الشيطان فى تفاصيله ..هل بريطانيا ستستجيب لأى طلب من مصر بشأن استخدام المعلومات التى لديها من القاعدة التجسسية المشتركة بينها و بين الأمريكان ــ وهى بالضرورة لديها هذه المعلومات و لكن لا تعطيها إلاّ بطلب رسمى أو سرى بين أجهزة الاستخبارات ــ أم ستتجاهل الأمر بأكمله و تعطى أُذنا من طين و أخرى من عجين لتتكتم على الأمر برمته ؟
الجميع يعلم جيدا أننا فى عالم مفتوح ، يعيش ثورة فى المعلومات، ويعج بوسائل الاتصال التقليدية أو الإلكترونية ، وبات من الصعب استخدام الأساليب القديمة فى إخفاء المعلومات، أو حجبها عن "الرأى العام" .
وإذا كان التأكد من المعلومات قبل إطلاقها أمر ضرورى ، فإن تناقضها وتضارب مصادرها يكشف عن خلل كبير، خاصة إذا كانت تتبع جهة رسمية واحدة.
ندرك جيدا حجم المأساة التى نتجت عن سقوط الطائرة ، والوضع السياسى والتقنى المُحرج للسلطات المصرية من جراء ذلك ، خاصة وأن هذه ثانى طائرة يتم إسقاطها بعمل إرهابى فى الأجواء المصرية ، وقد كانت الطائرة الأولى تقل سُياحا من الروس ومتوجهة من مطار شرم الشيخ إلى روسيا غير أنها انفجرت فوق سيناء ولقى من كان على متنها مصرعهم ، ولكن غياب الشفافية ، وإعطاء المعلومات غير الدقيقة لرأى عام مصرى ودولى متلهف ، هو الذى سيفتح الباب على مصرعيه للتكهنات والافتراضات حتى تظهر الحقائق التى لا تقبل الشك .