ككاتب تستطيع بسهولة أن تركب موجة التعاطف، وتتفاعل مع الترند، وتكتب فقرات متسقة تمامًا مع المزاج العام السائد بين القراء، غير أن الأصعب والأصح هو أن تكتب _ وفق قناعات تحتمل الخطأ والصواب _ في سياق تصحيح المفاهيم، ووضع الأمور في نصابها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالكفاءة في كل عمل، ومستقبل نادي بحجم الأهلي.
قبل خمسة أعوام من الآن، تعاقد النادي الأهلي مع مهاجم الإسماعيلي مروان محسن، ضمن نجوم الفئة الأولى في الراتب، وكانت كل الظروف مواتية للنجاح، في ظل قرب اعتزال المهاجم الفذ عماد متعب، وعلقت جماهير الأهلي الآمال العريضة على مروان، هداف الإسماعيلي أظن بعشرة أهداف، بينها 7 ضربات جزاء.
لم تقنعني _ وبعض الجماهير_ أرقام مروان وقتها، ومع ذلك راهنت على نجاحه وفق منظومة جديدة، أكثر جماهيرية وإمكانيات، غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ولم يوفق مروان في بداياته، ثم أصيب بقطع في الرباط الصليبي، ولقى وقتها دعمًا هائلاً من الجماهير، ثم عاد مروان.
لعب مروان، ولم يحالفه التوفيق، ولم يحاول هو مساعدة نفسه، للدرجة التي تستطيع أن تقول معها إن إجمالي سنوات مروان محسن مع الأهلي، عبارة عن فشل ثم دعم، ودعم عند أي توفيق بسيط، غير أن الدعم وحده لا يكفي.. فكرة القدم تحتاج الكفاءة، وتطوير الإمكانيات والفنيات، وهي عوامل يفتقدها تماماً مروان محسن.
في كرة القدم هناك طريقان لا ثالث لهما للوصول للنجاح، الأول أن يمتلك اللاعب إمكانيات فنية كبيرة، تضمن له النجاح مع انضباط السلوك، والطريق الثاني هو التحدي والتطوير، ولا يمكن هنا إغفال نموذج أيمن أشرف، ذلك الرجل الملهم، وعندما أذكر أيمن أشرف أحب دائماً أن أسميه "الرجل"، فهو الذي لعب في غير مركزه، وسلك طريق التحدي والتطوير، حتى بات أحد أهم لاعبي الأهلي على الإطلاق، وحجر بكل جدارة مكانه في التشكيل الرسمي، دون مداخلة واحدة من والده، يخبرنا فيها أن ابنه أهم مساك في مصر، كما يفعل أبو مروان.
ترك مروان محسن الطريقين المعروفين للنجاح، وسلك طريقًا ثالثًا لا يسمن ولا يغني من جوع، قائم على إنكار الفشل، والاستعانة بالسيد الوالد لانتقاد معارضي الملك مروان، فكانت النتيجة الطبيعية فشلاً تلو الآخر، حتى وصل بنا الحال إلى عدم اهتمام المنافسين بمهاجم الأهلي، واعتباره أهم نقاط ضعف الفريق العملاق، والحقيقة لم يفيدنا في هذه المعضلة إنكار مروان، ولا تصريحات والده، فكرة القدم أداء في الملعب، لا تخطئه العين، والأرقام فيها لا تكذب ولا تتجمل، والحقيقة أن أرقام مروان محسن لن يفيدها تجميل الكون كله، فهي مخزية للدرجة التي يستحي من تحقيقها بعض الأجنحة في الملعب، وليس المهاجمين.
مروان ليس المهاجم الكفء، وهو أيضاً ليس نصف الموهبة المتحدي.. مروان لا يطور من نفسه، ويترك المهمة لوالده في الفضائيات، وهنا يسمى "تلميع" وليس تطوير، وهنا أيضاً لنا كجماهير أن نتساءل، إلى متى يا مروان تضحى بأعصابنا وتاريخ الأهلي، من أجل محاولة إثبات شيء غير موجود؟.. إلى متى تحاول الظهور في الصور دون كفاءة؟... ألم يحن الوقت لمواجهة الواقع؟.. ألا ترى أن كرة القدم ليست بكل هذا التعقيد الذي يجعلنا ننتظر وصولك لمدة خمس سنوات؟
هنا وصلنا إلى التعاطف كمصطلح ليس في موضعه، وليس في مكانه، فكرة القدم أكثر من مجرد لعبة، فبالنسبة للاعب تعد مستقبلًا وأموالاً ونجومية، عليه أن يتحمل ضغوطها، وإن لم يستطع فليتركها، وبالنسبة للشعوب باتت مصدراً للفرح والحزن، وعليه وجب على القائمين عليها أن يضعوا ذلك في حساباتهم، ولا يتعاملون معها بأنانية جمع الأموال والشهرة، دون تقديم شيء للمواطن الذي يقطع من دخله البسيط، ليشجع اللاعبين... فماذا تعني كلمة تعاطف؟
الحقيقة أن تعاطفك مع مروان محسن، بعد خمس سنوات من الفشل، هو إهدار لحق شباب بقطاع الناشئين في الأهلي، ربما لو حصلوا على 1% من فرص مروان محسن لصنعوا المجد لأنفسهم وللنادي
الحقيقة أن تعاطفك مع مروان محسن في غير محله، حيث إن الأمر كله متعلق بالنقد في العمل، وعدم الكفاءة فيه، وليس بمروان محسن كإنسان نتمنى له كل خير، لكن بعيدًا عن كرة القدم التي هو بالفعل يبعد عنها بأميال، أو على الأقل بعيداً عن النادي الأهلي.
نحتاج ببساطة للتفريق بين التعاطف مع أي إنسان في أموره الشخصية، وبين رفض عدم الكفاءة، ورفض انصاف الموهوبين، واستحواذ من لا يستحق على مكان غيره، فهنا الحقيقة نقع في خطيئة تضييع الفرص على الأكفاء، وتقلد عديمي الإمكانيات أماكن غيرهم ممن يستحقوها.
تعاطفوا مع الإنسان المصري مروان محسن في كل شيء، أما عندما يتعلق الأمر بكرة القدم، فهي أرقام لا مجال فيها للتعاطف، وذاتها الأرقام التي يتربحها مروان محسن بطولات وأموال، لماذا ينكرها أهداف؟...
حبوا كل الناس، ولكن قدسوا الكفاءة، حتى يكون لمصر في كل مكان موهوب وكفء.. ادعموا الأكفاء حتى يمثلنا من يليق بنا... قدسوا الكفاءة حتى لا يمثلكم كل مروان محسن في المحافل الدولية