على مدار يومى 8-9 فبراير الجارى وبرعاية القيادة السياسية المصرية دار الحوار الفلسطينى الفلسطينى واجتمع لأول مرة 15 فصيلا فلسطينيا لبحث ملف المصالحة الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطينى بعد أن دفع الانقسام والتناحر بالقضية إلى حافة الهوية.
الدعوة المصرية للاجتماع جاءت من منطلق المسؤولية القومية والوطنية والدور التاريخى والاستراتيجى والحيوى للقاهرة تجاه الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية ومن منطلق الوعى والإدراك بالتحديات الخطيرة والظرف الدولى والإقليمى التى تواجه القضية الفلسطينية التى ما زالت تمثل القضية المحورية والمركزية لمصر وسياستها الخارجية.
ورغم أن الحوار يعد هو الاجتماع رقم 17 تقريبا فى سلسلة حوارات الفصائل الفلسطينية التى استضافتها القاهرة منذ أكثر من 15 عاما وضاعت بسبب المصالح السياسية الضيقة والارتباطات السياسية الخارجية فرص كثيرة للمصالحة ووحدة الصف الفلسطينى فى مواجهة التعنت والصلف الإسرائيلى والإجراءات التعسفية لضم المزيد من الأراضى وتهويد القدس وتجريف القضية برمتها فى ظل ظروف سياسية وأمنية إقليمية غير مواتية لصالح القضية الفلسطينية، إلا أن هذه المرة يبدو أن هناك بارقة أمل للشعب الفلسطينى فى المصالحة وهناك إرادة سياسية من الجميع على إعلاء المصالح الوطنية العليا ومصلحة القضية على حساب المصالح السياسية الضيقة لكل فصيل.
الاجتماع فى القاهرة يؤكد أن كل الفصائل الفلسطينية ما زالت تعترف بمحورية دور القاهرة وبأن المنصة المصرية هى الحاضنة الحقيقية لقضية الشعب الفلسطينى دون أية مصلحة لأنها تمثل أمنا قوميا بل ووطنيا لمصر نظرا لخصوصية العلاقات المصرية الفلسطينية.
لم تتأخر مصر يوما عن نصرة القضية الفلسطينية منذ عام 48 ولم تدخر جهدا للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولا أحد ينكر الدور التاريخى للقاهرة فى نشأة منظمة التحرير واحتضان النضال الوطنى الفلسطينى لتحرير الأرض وتلاحم التأييد والدعم الرسمى والشعبى المصرى للقضية.
ورغم أن متغيرات كثيرة طرأت على العلاقات المصرية الفلسطينية، فى ظل حالة الاستقطاب السياسى والقومى لقادة منظمة التحرير من قبل قادة دول عربية أخرى لسحب البساط من تحت أقدام القاهرة، إلا أن القضية الفلسطينية ظلت الرقم الصعب فى السياسة الخارجية المصرية وفى الوجدان الشعبى المصرى رغم ما خسرته القضية فى تلك الفترة، خاصة فترة ما بعد اتفاقية كامب ديفيد فى نهاية السبعينيات وحتى بداية الثمانينيات.
جرت مياه كثيرة فى مجرى النهر المصرى الفلسطينى بل فى مجمل الصراع العربى الإسرائيلى وطرأت متغيرات داخلية سواء على الصعيد المصرى أو على العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، ومع نشأة النزعة الوطنية على حساب النزعة القومية فى كثير من الدول العربية كان الانعكاس السلبى واضحا على الجبهة الفلسطينية وتغيرت المواقف والمبادئ وتبدلت السياسات من التطبيع أولا والقضية ثانيا.. وتزايدت حالة الاستقطاب السياسى والدينى مع ظهور المد الإسلامى بطوائفه وحدث الانقسام الفلسطينى بين عدة فصائل، ووهنت القضية خاصة بعد رحيل القادة التاريخيين.
أخطاء كثيرة حدثت فى السنوات العشرين السابقة وكان أخطرها مع سيطرة الإخوان على الحكم فى مصر والمصير الأسود الذى كان ينتظر القضية الفلسطينية من خلال تصفيتها بأيدى الإخوان وبدعم من الإدارة الأمريكية ومباركة إسرائيلية.
ثورة 30 يونيو 2013 كما أنقذت مصر من مخطط ومصير الفوضى والدمار والتمزق، أنقذت أيضا القضية الفلسطينية من الانهيار ورقصة الموت الأخير مع الإخوان.. وبعد تولى قيادة وطنية مصرية الحكم بعد يونيو عادت القضية الفلسطينية إلى تصدر المشهد السياسى الخارجى المصرى مرة أخرى وفى أدبيات الدولة المصرية، وحاولت القاهرة منذ 2014 استعادة التلاحم والوحدة الفلسطينية من جديد بين الضفة وغزة وتوحيد القيادة الفلسطينية.. ورغم ما حدث من القطاع إلا أن مصر لم تتخل عن الشعب الفلسطينى فى غزة وتفهم متطلباته الحياتية مع ضرورة تفهم متطلبات الأمن القومى المصرى.
الارتباطات الأيديولوجية لحماس عطلت مسار الحل على المستوى الداخلى الفلسطينى وعلى مستوى القضية برمتها، واستفادت إسرائيل كثيرا من حالة الانقسام الفلسطينى، وحذرت مصر من استمرار هذه الأوضاع رغم تضررها كثيرا من القطاع وحماس ومع ذلك لا يمكن أن نبرر دفاع مصر ودعم مصر للشعب والقضية الفلسطينية إلا أنه من منطلق الأمن القومى المصرى.
فالخصوصية فى العلاقات المصرية الفلسطينية تختلف كثيرا عن علاقات كثيرة فى النظام الإقليمى العربى رغم حالة المد والجزر والصعود والهبوط فى العلاقة، فمصر تعتبر القضية الفلسطينية قضية ذات أولوية متقدمة فى أجندتها السياسية على المستوى الداخلى والخارجى.
الاجتماع الجارى هذه المرة فى القاهرة حضره كل الفصائل ولا مفر أمام الجميع سوى التضامن والتصالح والتكاتف لمواجهه التحديات الصعبة والتخلى عن التحالفات المعادية للأمن القومى العربى، والتوافق على الخطوات المقبلة لتعزيز المصالحة الفلسطينية، إضافة إلى ملفات مهمة أخرى وهى ملف الحريات ومستقبل منظمة التحرير والانتخابات الفلسطينية وحكومة التوافق وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية فى الضفة وغزة.
الإرادة السياسية وتصفية النفوس والنوايا الحسنة وإعلاء المصلحة العليا للشعب الفلسطينى فوق أى مصلحة ضيقة أو علاقات لم تجلب سوى الخراب هى الطريق الوحيد أمام القادة الفلسطينيين.