هل تتوقف مبادرة السلام بسبب ليبرمان؟.. ليس هناك مؤشر إيجابى على انخراط إسرائيل فى عملية سلام جديدة مع الفلسطينيين، خاصة بعد التعديل الجديد الذى طرأ على حكومة بنيامين نتانياهو وعودة المتطرف إفيجدور ليبرمان مرة أخرى، لكن هذه المرة وزيراً للدفاع وليس للخارجية كما كان قبل ذلك، وهو ما أصبغ الحكومة الإسرائيلية بصبغة الحكومة اليمنية المتطرفة.
وكان لافتاً أن رئيس المعسكر الصهيونى إسحاق هيرتسوخ كان الأكثر تشاؤماً من هذا التعديل، حينما قال إن المجلس الوزارى الذى يضم ليبرمان لا يبشر بالأمل، لأنه «سيفضى إلى تدهور الوضع نحو جولة جديدة من الآلام، وعلى المواطنين أن يشعروا بالقلق إزاء الائتلاف اليمينى الذى سيقود دولة إسرائيل باتجاهات محفوفة بالمخاطر».
تطرف حكومة نتانياهو المنتظر وزيادة حدة التشاؤم لم تسيطر علينا كعرب فقط، فالولايات المتحدة التى تعد الراعى الرئيسى لتل أبيب أعربت عن قلقها من السياسة المتوقعة فى إسرائيل تجاه الفلسطينيين مع ليبرمان، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر: «نعرف أن العديد من وزراء هذه الحكومة سبق أن أعلنوا أنهم يعارضون حل الدولتين، وهذا الأمر يستدعى تساؤلات مشروعة حول المسار الذى تريد الحكومة سلوكه، وماهية السياسات التى تنوى اعتمادها»، وهو ما يشير إلى أن التشاؤم أصبح السمة الأساسية للجميع.
ورغم أن ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، قيل إنه تعهد لنتانياهو «بإتباع سياسة مسؤولة أمام المخاوف من التشدد حيال الفلسطينيين، وتأكيده «التزامى الأول هو بسياسة مسؤولة ومتوازنة»، إلا أن كل السوابق تؤكد عكس ذلك تماماً، فليبرمان شخصية مكروهة، أفكاره المتطرفة لم تترك أحدا إلا وطالته، إن لم يكن بالفعل فبالقول، ولا ننسى أنه فى وقت سابق هدد بضرب السد العالى وتهجم كثيراً بالقول على مصر، مما دفع القاهرة لرفض التعامل معه حينما تولى حقيبة الخارجية الإسرائيلية، واقتصرت الاتصالات المصرية وقتها مع رئاسة الوزراء الإسرائيلية مباشرة ووزارة الدفاع، وتجاهلت بشكل تام خارجية ليبرمان.
وجود ليبرمان فى هذا المنصب يغلق الباب أمام أى فرصة للسلام، ويعد رسالة سلبية من جانب تل أبيب على دعوة مصر الأخيرة للسلام فى المنطقة وإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، فوجود حكومة بهذه التركيبة ينذر بتهديدات حقيقية بعدم الاستقرار والتطرف فى المنطقة، وهى مؤشرا على زيادة حالة العنصرية والتطرف الإسرائيلى، وتؤكد أيضاً أننا مقبلون على مرحلة أكثر عدائية تجاه الفلسطينيين ليس فقط فى الأراضى المحتلة، وإنما الموجودين داخل إسرائيل نفسها، لأن المتطرفين لا يفرقون بين من فى الداخل أو الخارج، فليبرمان ومن معهم يدعمون مشروع طرد العرب من إسرائيل، أو بمعنى أدق سياسة التطهير العنصرى.
نتانياهو يحاول من جانبه أن يمتص حالة الغضب من التعديل الحكومى، بتأكيده على مواصلة «السعى إلى بلوغ السلام مع الفلسطينيين ومع جميع جيراننا» كما قال، وقد يكون ما يقوله صحيح، لكن نحن لا نتحدث الآن عن أقوال، بل ننتظر أفعالا، فنتنياهو والمعارضة الإسرائيلية أعلنت ترحيبها بمبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى أعلنها قبل أيام من أسيوط، وأبدوا تجاوباً معها، لكن التعديل الأخير فى الحكومة ناقض كل هذا الترحيب الإسرائيلى، وربما يكون ذلك ما وقف خلف قرار عدم ترحيب القاهرة فى الوقت الحالى لاستقبال وفود إسرائيلية، لحين تبيان الموقف الإسرائيلى النهائى والرسمى من المبادرة، ولحين ذلك فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن سيكون فى القاهرة غداً لإطلاع وزراء الخارجية العرب على التوجه والمساعى الفلسطينية، لتحريك عملية السلام، ليكون العرب مضطلعين بشكل كامل على كل التفاصيل، وفى انتظار القرار الإسرائيلى.
الوضع النهائى الآن أننا أمام موقف عربى واضح تقوده حالياً مبادرة مصرية مرحب بها أوروبيا وأمريكيا، وتتبناها كل الفصائل الفلسطينية، لكننا فى انتظار الرد الإسرائيلى النهائى، ووسط هذا الالتباس بل التشاؤم الذى صنعه نتنياهو بالتعديل الأخير ليس أمام نتنياهو الآن سوى إعلان التجاوب الرسمى مع مبادرة السلام، وعدم التلاعب بالألفاظ وأن يحدد المسؤول عن قرار الخوض فى العملية السلمية، وما هو دور أفيجدور ليبرمان فى المفاوضات حال انطلاقها مرة أخرى، لأنه بدون ذلك لن نتقدم خطوة واحدة للأمام.