لا شىء مثل الإنسان، إنه يفعل ما لا يتوقعه أحد، فيرتكب جرائم أغرب من الخيال، إنه يأكل لحم أخيه بالمعنى الفعلى وليس بالمعنى المجازى الذى أشار إليه القرآن الكريم عندما حدثنا عن الغيبة والنميمة.
وقرأنا، مؤخرا، البدء فى محاكمة شخص روسى أكل لحم أصدقائه، وأوهم أقاربهم وأصحابهم بأنهم سافروا بعيدا بحثا عن عمل، لقد كان الأمر مفزعا حقا، لكن الذى أفزعنى أكثر أنه عند بحثى عن أصل أكل اللحم البشرى عرفت أن الأمر لم يكن قاصرا على الشعائر البدائية والأزمنة القديمة، بل كان له حضور قوى فى عصرنا الحديث.
ففى حروب كثيرة وقعت فى أفريقيا فى نهايات القرن العشرين أكل الجنود لحوم بعضهم بعضا، حتى أن إحدى القضايا فى الولايات المتحدة الأمريكية كان المتهم فيها رجل من ليبيريا، يعيش هناك منذ أكثر من عشرين عاما، لجأ إلى هناك بسبب الحروب التى وقعت فى هذه الدولة الفقيرة، ولكن تقدمت إحدى السيدات ضده بدعوى قضائية مفادها، أنه فى الحرب الأهلية التى وقعت فى نهايات الثمانينيات من القرن العشرين، قتل هذا الرجل وجنوده أحد أقارب هذه المرأة ثم أكل قلبه.
تخيل أنه توجد ثقافات كثيرة ترى أننا نكتسب من طبيعة ما نأكل، فإن أكلنا رجلا شجاعا سوف نكتسب الكثير من شجاعته، وفى الحقيقة لا أعرف كيف لهذه الثقافات أن تظل ونحن فى القرن الواحد والعشرين، كيف يمارس الناس سلوكا مثل هذا ولا يكتشفون ما به من خطل وخبل ومرض، لذا فإن ما نقوله عن حداثة وتحديث وغير ذلك من المسميات يحتاج إلى مراجعة دائمة لأننا لا نزال نأكل لحم بعضنا البعض.