تعد مصر أكبر دولة عربية، وثالث أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، ووفقا لمراكز الإحصاء، فإن عدد السكان مصر يصل مع نهاية 2030 إلى حوالى 120 مليون نسمة، الأمر الذى يعتبره الكثير من الخبراء، خطرا داهما يهدد معدلات التنمية الاقتصادية، ومستوى المعيشة للمواطن.
ليتفق الجميع على أن تنظيم الأسرة هو طوق النجاة للحد من أخطار الزيادة السكانية، لأنها تقضى على اليابس والأخضر، سواء على المستويات الاقتصادية أو الاجتماعية في ظل الخلط والعشوائية، حول حرمة تنظيم النسل، فنجد هناك من يستغل الدين فى هذه القضية استغلالا عاطفيا، وخاصة أن السبب الرئيسى فى الزيادة السكانية مرتبط دائما بالعادات والتقاليد، فهناك من يرفضه بحجة "العزوة" وهناك من يعتبره حراما لأنه ضد مقاصد الشريعة، وهناك من يرفضه لأنه يعتقد أن الحكومات تتخذها وتتاجر بها حال الفشل، وكل هذه اتجاهات للأسف تؤثر قطعا فى مواجهة الظاهرة.
والأزمة تكمن فى الاعتقاد السائد بأن حق الإنجاب حق يخص الوالدين فقط، متجاهلا أنه حق عام المجتمع شريك فيه، وأنه لابد أن يكون النسل قويا ليمتلك القدرة على حماية الوطن والدين نفسه، ولهذا تبذل الدولة والمنظمات الأهلية مجهودات مضنية وأموالا طائلة فى التوعية، فالدولة على سبيل المثال تتيح كل الخدمات الطبية والعلاجية لتنظيم الأسرة بالمجان، وتدشن حملات إعلامية وإعلانية باستمرار عن خطورة الظاهرة، إضافة إلى أن مؤسسات الدولة الدينية كدار الإفتاء أو الأزهر الشريف، أكدوا مرارا وتكرارا في فتاوى رسمية، أن الشريعة الإسلامية لم تمنع تنظيم النسل باستخدام الوسائل اللازمة، إذا لم يقدر رب الأسرة على توفير الحياة الكريمة لأبنائه، وأنه لا يوجد نص شرعي صحيح يمنع من ذلك.
ورغم الإيمان بأن الزيادة السكانية تعمل على ارتفاع معدلات نسب البطالة فى المجتمعات، بل تحدث مشكلات مزمنة سواء فى الإسكان أو الحركة داخل المجتمع، وتمس الأسرة المصرية بشكل مباشر في معيشتها اليومية ومستقبلها، إلا أن ما زال هناك من يخلط بين تنظيم النسل وتحديده، فالتنظيم يعنى التوقف المؤقت عن الحمل بأية وسيلة لأسباب معتبرة شرعاً، كالمباعدة بين المواليد بقصد إتمام الرضاعة للطفل، أو منح الوالد إمكانية توفير الرعاية المطلوبة لأبنائه، أو مراعاة لصحة المرأة فى الحالات التى يضر بها الحمل المتكرر، أو لاعتبارات أسرية تراعي القدرة على تربية الأولاد ثم العودة للإنجاب بعد زوال السبب، ولهذا الخلط تقتل قضية تنظيم النسل فى مقتل، فتكون النتيجة رفض البعض "التحديد والتنظيم" على حد سواء.
وهنا تتطلب قضية الزيادة السكانية علاجا حاسما من الحكومة لتفادى الاتجاهات المغلوطة، سواء من خلال العمل على تغيير العادات والتقاليد، أو من خلال تكثيف حملات التوعية لمواجهة هذا التحدى، مع الاعتبار أيضا أن انخفاض السكان أو توقف نموهم ليس دليلا على التقدم، ولهذا يجب على الحكومة وهى فى حربها لمواجهة الظاهرة عليها أيضا تكييف الاقتصاد مع الزيادة السكانية، واستغلال القوى البشرية، وخاصة أن مصر حباها الله أن نسبة الشباب تمثل 60% من سكانها، سواء بتطبيق سياسات التوسع فى كافة القطاعات وخاصة القطاع الزراعى، أو من خلال تحرير وسائل الابتكار الجديدة لمواجهة الظاهرة، أو من خلال الاستفادة من تجارب دول كانت نموذجا فى استغلال القوى العاملة مثل الصين وماليزيا.
وأخيرا.. نرى أن الدولة المصرية الآن على الطريق السليم فى مواجهة الظاهرة، فهى أصبحت لا تقتصر على حملات التوعية فقط مثلما كان يحدث في الماضى، بل أصبحت تنتهج كافة مسارات المواجهة، فعلى سبيل المثال تدرس الآن مجموعة حوافز اقتصادية واستثمارية للتشجيع على مواجهة الزيادة السكانية، فها هى وزيرة التخطيط د. هالة السعيد تؤكد أنه تم دراسة نماذج لأكثر من 12 دولة إسلامية حققت نجاحًا في مواجهة الظاهرة، وأن الدولة ستبدأ تنفيذ خطة التنمية خلال 3 سنوات بالمحافظات الأعلى إنجابًا، وهذا فهم صحيح وسليم ونقطة مضيئة على طريق مواجهة الزيادة السكانية بعيدا عن إشكاليات الفهم المغلوط للدين..