كل حدث سياسى أو اجتماعى لا تظهر نتائجه فورا، لكنها تتفاعل وتتطور لتظهر بعد سنوات، وقد ظل تنظيم الإخوان طوال أكثر من 80 عاما يقدم نفسه بوصفه تيارا سياسيا قابلا للتفاعل مع باقى التيارات السياسية، لكن بعد 25 يناير، كانت الشهور الأولى كافية لإزالة الكثير من الخطابات والديباجات المعتدلة، التى ظلت الجماعة ترطن بها على مدى تاريخها، وأسفرت عن وجه آخر يرفض الشراكة، ويضع نفسه بمعزل عن المجتمع المصرى وتاريخه وأفكاره.
كانت هناك خطابات أطلقها دعاة السبعينيات، أسست فكرة أن كل ما جرى فى تاريخ الفكر المصرى والعربى سياسيا وثقافيا، كان مجرد تغريب ومشروع فكرى مستورد، يجب التخلص منه وبناء نموذج جديد، كان هذا النموذج فى أحسن الأحوال هو نموذج الجمهورية الإسلامية فى إيران، ومن هنا تأتى أهمية جهد وائل لطفى فى كتابه «دعاة عصر السادات»، والصادر عن دار العين، ويعد استمرارا لمشروعه المهم فى تفكيك ظاهرة الدعاة الجدد، الذين بلغوا أعلى تجليات نجوميتهم فى التسعينيات، لكنهم فى الواقع كانوا التطور الطبيعى لظاهرة الدعاة النجوم، الذين نجحوا فى صياغة أفكار المجتمع، ومهدوا لعملية تغيير اجتماعى ليس له علاقة بالدين، وكان بداية مرحلة خلط الدين بالسياسة بالاقتصاد بالتجارة والتسويق.
وهذا التغيير حدث منذ قرر الرئيس السادات إعادة تنظيم الإخوان للحياة، ضمن تحالف شارك فيه عثمان أحمد عثمان وآخرون، ودعم التنظيمات الدينية فى الجامعات لمواجهة معارضيه من اليسار، وهذه التيارات التى بدأت بالتكفير والدعوة أو الجماعة الإسلامية، بدت انشقاقا عن الإخوان، لكنها ظلت ضمن وعاء يضم تيار الإسلام السياسى، ويصعب الفصل بين الإخوان والشباب الذى كان يهاجم الحفلات أو المسرح والأنشطة الثقافية فى الجامعات، أو من سافروا لأفغانستان بدعم ودعوة من الرئيس السادات، وتنسيق من المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه»، كانوا يرفعون رايات الجهاد ضد السوفيت، لكنهم ينفذون أخطر فصول الحرب الباردة التى أنهت السوفيت.
من هنا تأتى أهمية كتاب وائل لطفى، الذى يربط الخيوط ببعضها، وينطلق من فكرة أن كل الدعاة الجماهيريين نجوم السبعينيات مروا بعضوية تنظيم الإخوان، واستمروا فى التبشير بأفكارها، وهم يفرشون الأرض لتحول المجتمع المصرى فى السبعينيات، وأن جماعة الإخوان كانت تجنى ثمار جهود الدعاة والتنظيمات الأخرى، المعتدل منها والمتطرف.
ويكشف وائل لطفى فى كتابه «دعاة عصر السادات» عن كيفية صعود نجوم الدعاة، ومنهم الشيخ الشعراوى والشيخ كشك، اللذان استفادا من تطور عصر التليفزيون والكاسيت، من خلال خطابات شفهية لا تحتاج الكثير من الجهد فى القراءة.
ويسلط «لطفى» الضوء على شخصية إبراهيم عزت، مؤسس جماعة التبليغ والدعوة، أو الشيخ المحلاوى، والشيخ سيد سابق، الذى كان يقدم كمفكر عام، لكنه كان عضوا ومؤسسا فى الجماعة، مثلما كان الغزالى أو القرضاوى.
ومن يراجع أغلب خطابات الشيخ كشك، يعرف أنها وجهة للسخرية والهجوم على أفكار طه حسين وأغانى أم كلثوم، ولا تخلو من هجمات طائفية واتهامات وخلط، فى خطاب لا علاقة له بالدين، ويمكن أن تلمح نفس الأفكار فى مجلة الدعوة والاعتصام، التى أصدرها الإخوان بعد الصفقة مع السادات، وصولا إلى تسويغ عملية اغتيال المفكر فرج فودة أمام المحكمة من بعض هؤلاء، ومنهم الشيخ الغزالى الذى كان أحد أطراف المناظرة الشهيرة مع فودة، وكان تبريره كاشفا عن كيفية التقاء الخيوط.
وهذا وغيره يشكل روافد لكتاب وائل لطفى، الذى يمثل حلقة من مشروع مهم، لتفكيك الخطاب السياسى للإخوان وروافده المتعددة.