المؤسسات الدينية من أبرز مؤسسات المجتمع في مواجهة الأزمات والكوارث، ويكشف كتاب كورونا والدين والحياة: دور المؤسسات الدينية في مواجهة الجوائح وعبور الأزمات" الذي أصدره عدد من المؤلفين بالتعاون مع أصدقاء كايسيد، وسعدت بإهدائه لي من محرره الدكتور رامي عطا أستاذ الصحافة، عن الدور الذي لعبته المؤسسات الدينية في مصر والعالم، في سبيل تخطي البشرية لأزمة كورونا وحفظ النفس والعمل على الخروج الآمن من تلك الأزمة بأقل الخسائر والأضرار.
يستخدم مصطلح المؤسسات الدينية، للتعبير عن تلك "المؤسسات التي يعتبر الدين مرجعها الأساسي وتعنى بشؤونه، ويلجأ إليها الأفراد أو المجتمع من أجل تلبية احتياجاتهم الروحية والدينية، مثل الصلاة والصوم والعبادة، أو شؤونهم الدنيوية والاجتماعية". ويمكن تصنيف المؤسسات الدينية إلى نوعين: المؤسسات الدينية الرسمية والمؤسسات غير الرسمية.
ومن بين بحوث الكتاب، بحث للكاتب الكبيرة أمينة شفيق عن مشاركة المؤسسات الدينية في إدارة الأزمات"، تشير الكاتبة إلى التزام المؤسسات الدينية بكل التعليمات والقرارات التي أعلنتها الدولة المصرية وخصوصا وزارة الأوقاف، التي بدأت بإغلاق المساجد ثم فتحها تدريجيا حتى عودتها بشروط وإجراءات احترازية في الصلوات اليومية والجمع، وكذلك فعلت الكنائس في إلغاء العظات والصلوات الجماعية، وما تبعها من العودة بإجراءات احترازية. ولذلك لم تكن مصدرا للأوبئة، وحققت ضوابط الوقاية الثلاثة وهي: النظافة وارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي.
وأما بحث المؤسسات الدينية وأزمة كورونا: عودة للتنوير الديني"، فقد تناول الباحث محمد عبد الكريم خرافة الهياج الديني عالميا، ومواجهة مؤسسة دار الإفتاء لذلك من خلال كشف المؤشر العالمي لدار الإفتاء أن 15% من المحتوى الديني المنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن فيروس كورونا، يتضمن خرافات وشائعات باسم الدين.
لقد أثرت أزمة كورونا على منهجية المؤسسات الدينية وأدائها في التعامل مع أزمات المجتمع، وقد شددت دار الإفتاء مثلا على أولوية توجيه أموال الصدقات والعمرة والحج إلى المحتاجين والمتضررين من عامة الناس. وأكدت على صحة الصلاة في المنازل مثل المساجد تماما وقت الجائحة، تحقيقا للقاعدة الفقهية:" درء المفاسد أولى من جلب المنافع".
ويطرح الدكتور جرجس إبراهيم صالح في بحثه عن "دور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مواجهة فيروس كورونا"، كيف تحولت الكنائس إلى بث رقمي للعظات الروحية ودروس الكتاب المقدس، تحقيقا للهدف من إغلاق الكنائس ومنع انتشار الجائحة، وبالنسبة لطقس التناول فقد شددت الكنيسة على ضرورة استخدام كل متناول للفافة الخاصة به، وكذلك استخدام زجاجة الماء الخاصة به. وعدم التلامس بالأيدي واتخذت الكنيسة إجراءات بإغلاق مدارس ومعاهد التعليم اللاهوتي مؤقتا، وكان لدور المجمع المقدس ومؤسسات الكنيسة القبطية دورها في التعامل مع أزمة كورونا بجدية وحث الناس على الالتزام بالإرشادات الصحية.
ويكشف الدكتور هاني ضوة مستشار مفتي الجمهورية وأحد محرري الكتاب في بحثه عن "رجال الدين والمؤسسات الدينية في مواجهة كورونا"، أن ظهور شائعات وخرافات في العالم حول دهان شرجي وعطر نبوي للوقاية. دفعت رجال الدين للتدخل العاجل، فقد أصدر المرجع الديني الأعلى في العراق آية الله السيستاني توجيهاته بالالتزام بالضوابط الصحية التزاما صارما والعمل على بث المراسم الحسينية إلكترونيا ومراعاة الشروط الصحية في توزيع الأطعمة وإيصالها للبيوت تفاديا للزحام.
ويشيد ضوة بقرار تعليق الحج والعمرة أثناء ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا، ثم فتح الأماكن المقدسة بشروط صارمة وتقليل الأعداد وقصرها على المقيمين بالداخل فقط.
يدعو دكتور رامي عطا في ختام الكتاب إلى الاحتكام للعلم، والاخذ بنصيحة العلماء، ذلك أن الدين- أي دين، لا يقف ضد العلم. ما أحوجنا لمثل تلك الدراسات الجماعية التي ترسخ حالة التضامن الروحي بين البشر والإحساس بالمسؤولية لدى المؤسسات المختلفة في مواجهة ثقافة الخرافة والتضليل والعمل على نشر استعادة الوعي الإنساني في أيام الأزمات والرخاء.