عشرة سنوات كاملة، عانت فيها سوريا ويلات الحرب الأهلية، جراء حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي شهدتها البلاد، منذ اندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربى"، في مارس 2011، ليصبح الدمار والخراب هناك، أحد أهم الثمار التي ترتبت على خطة القوى الدولية الكبرى، التي حملت في ظاهرها شعارات براقة، دارت في معظمها على تصدير نموذج الديمقراطية الغربية، في الشرق الأوسط، وهى الخطة التي لم تقتصر في نطاقها على سوريا وإنما امتدت إلى العديد من دول المنطقة، إلا أنها كانت أحد أكثر الدول المتضررة، بسبب ظروف الداخل، والتى اتسمت بقدر كبير من الاستقطاب الدولى والطائفى منذ عقود طويلة سبقت "الانتفاضة".
ولعل محاولة تصدير النموذج الغربى للديمقراطية، إلى منطقة الشرق الأوسط، لم تكن الأولى من نوعها، إبان "الربيع العربى"، فقد سبقها محاولات لفرض مبادئ الغرب بالقوة العسكرية، على غرار ما حدث إبان غزو العراق، تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، لتحقيق ما روجت إليه واشنطن وحلفائها باعتباره أهداف "مقدسة"، ظهرت أولا في خطاب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، حول "قدسية" الهدف من وراء تدمير العراق، ليتراوح بين القضاء على التطرف، الذى طال أمريكا نفسها في أحداث 11 سبتمبر تارة، وتوجيه بوصلة بغداد لتكون واحة الديمقراطية الجديدة في الشرق الأوسط، تارة أخرى.
بينما لم يبتعد الدعم الخطابى الأمريكي لـ"الربيع العربى" عن نفس الهالة القدسية، وإن تغيرت الصورة، فإذا كانت الحرب على العراق تحمل صبغة دينية، عبر دعاية إعلامية، استخدم فيها بوش ورفاقه، مصطلح "الحرب الصليبية" لإضفاء القدسية على المعركة المشبوهة التي خاضها في بلاد الرافدين، فكانت "ثورات" الشرق الأوسط هي الأخرى تحمل في طياتها خطابا يبدو دينيا، وإن كان إسلاميا هذه المرة، عبر إثارة النزعات المتطرفة، ودعم الجماعات الإرهابية للوصول إلى السلطة في دول المنطقة، وهو ما يمكن استلهامه منذ انطلاقة حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والذى سعى إلى الاستعانة بآيات من القرآن الكريم، خلال خطابه الذى ألقاه تحت قبة جامعة القاهرة في 2009، لإضفاء نفس الصبغة المقدسة على سياساته، والتي سبقه إليها بوش.
وبين خطابى بوش وأوباما، كانت الثمرة النهائية هي المزيد من المعارك، والصراعات، ليجد الخطاب الغربى منحى جديد، في الآونة الأخيرة، بعد مرور 10 سنوات كاملة من الأزمة، التى وضعت سوريا وغيرها من دول المنطقة بين مطرقة الإرهاب، وسندان الفقر والبطالة والدمار، ليتحول مصطلح "الثورة" السورية الذى تسابق قادة الغرب على إطلاقه على الأحداث التي شهدتها الدولة خلال السنوات الماضية، إلى لفظ "الصراع" السورى، والذى يمثل اعترافا ضمنيا بـ"الجرم" الذى ارتكبته تلك القوى، ليس فقط بحق سوريا، والتي تعد أحد أكثر الدول تضررا، وإنما في حق العديد من دول المنطقة وشعوبها.
فلو نظرنا إلى التصريحات التي أدلى بها مؤخرا وزير التنمية الألماني، جيرد مولر، بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق سنوات الدماء والخراب في سوريا، نجده استبدل "أنشودة" الثورة بكلمة "صراع"، فيما يمثل اعترافا ضمنيا، أو بالأحرى اعتذار غير مجدى، لما شهدته الدولة من دمار دام لعقد كامل من الزمان، وربما تستمر تداعياته لعقود قادمة، ليعيد إلى الذاكرة مشاهد مشابهة، فيما يتعلق باحتلال العراق، عندما اعتبره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة، في تصريح أشبه بالاعتذار.
وهنا يتجلى "الفخ" الدولى الذى دائما ما تنصبه القوى العظمى المسيطرة على العالم، للشعوب، عبر تصدير شعارات، تدفعم دفعا نحو الحرب من أجلها، وعندما تدفع الشعوب نفسها الثمن غاليا، في صورة دم وخراب، لن تجد في النهاية إلا اعتذارات "مبطنة"، دون أن تشارك جديا سواء في إعادة الإعمار، أو تعويض مواطني تلك الدول عما فاتهم، ليصبح رهان الدول الحقيقى على وعى الشعوب، بعيدا عن الوقوع في فخ "استيراد" الأفكار النمطية، التي تبدو في ظاهرها ملهما، بينما تحمل في حقيقتها الأسوأ دائما.