ما نراه الآن فى مجتمعاتنا من المغالاة فى المهور، ظاهرة تستحق التوقف، بل تحتاج إلى شحذ الهمم لمواجهتها إعلاميا ودينيا واجتماعيا وثقافيا، بعد أن تمادى كثير من الناس فيها، حتى وصلوا إلى حد الإسراف والتباهى والتفاخر فى تجهيز العرائس، فكم من بيوت يتم شحنها بأمور لا حاجة لها؟، وكم من خلافات بين أهل العروسين تتم على أتفه الأمور، لدرجة أن الطرفين يتربصان لبعضهما وكأنهما عدوان فى معركة حربية؟، وكم من فتيات لم تلحقن بركب الزواج بسبب أفعال آبائهم؟.. وكم أمهات أصبحت من الغارمات بسبب بناتهن؟ وكم حالات طلقت قبل الدخلة؟ وكم من الدعاوى القضائية رفعت فى المحاكم سببها هذه العُرف؟ وكم أواصر رحم قُطّعت بسبب هذه العادة وهذا الضلال؟
وكم من شاب أعيته مغالاة المهور فامتلكته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه فخسر أهله، وفسد اتجاهه؟، وكم من فتاة ضلت فَجَرَّت العار والخزى على نفسها وعلى أهلها؟، وكم من زوج جلبت العداوة إلى قلبه تجاه زوجته لما يحدث له من ضيق مالى بسببها؟، وكم من طموح حُطم على صخرة الكبت وخيبة الأمل؟، وكم من حرة مصونة ظلموها أهلها فتركوها بدون زوج ولا ذرية بسبب هذه المغالاة، وكم من بيت طالته أيادى الخراب ومزقته أعراف الضلال؟ وكم أولاد وبنات شردوا بسبب انهيار أسرتهم؟ وكم وكم.. لكن للأسف الكل يتناسى أن هدف الزواج هو السعادة لا الشقاء هو اليسر لا العسر.
وما يثير العجب حقا، تحول الزواج القائم على المودة والمحبة إلى مباهاة كاذبة، فنرى فى بعض قرانا الريفية، استئجار 10 العربات لتكديسها بالأثاث والأجهزة والأدوات، والملابس، فالكل يتسابق فى ملء السيارات متفاخرين بعددها، حتى ولو الشقة الزوجية أصبحت لا تستوعب هذه الأشياء، يفعلون هذا من أجل التفاخر، متناسين أن هذا يترتب عليه كثير من المفاسد.
والغريب أيضا، أن الكل يلجأ إلى هذه الظاهرة عند تزويج ابنته أو ابنه، رغم أنه هو نفسه يرفضها عندما يتحدث عن الغير، أو أثناء حديثه فى حوار أو مناقشة رافعا شعار الأنانية وازدواج الفكر والرؤى، وخاصة أنه لا يختلف أحد على أن الأسرة التى تقوم على البساطة سواء فى المهور أو الجهاز أو المسكن أسرة سعيدة؛ لأنها لا ترى سعادتها فى المظهر أو المادة أو الأشياء المقتنية.
لنجد معظم الزيجات، يتم ملىء بيوتها بأشياء لا حاجة للزوجين لها على الإطلاق مثل، حجرة الأطفال التى تنشئ أحياناً خلافات مع أن الأطفال لم تأت بعد!، وكذلك النيش المملوء بأشياء مصيرها التكسير على يد الأطفال والأبناء، والملايين التى تنفق فى حفل الزواج، وهى تصلح لأن تزوج عشرات الزيجات، وعشرات أطقم الملابس رغم أن مصيرها سيكون التخزين، لكن ماذا نفعل أمام التفاخر والتباهى؟
وهنا يجب تحكيم العقل وتطبيق صحيح الشرع لمواجهة هذه الظاهرة، فها هو شيخ الأزهر الإمام الطبيب، دوما يطالب بضرورة تغيير مفهوم الزواج، مطالبا كل مسئول فى الإعلام والعلماء عن تبليغ هذه القيم للناس وشرح صحيح الشرع مع بيان دلالات الأحاديث النبوية، وكيف أن بركة الزواج مرتبطة باليسر لأن هذا من مصلحة الزوج والمرأة جميعاَ، كما قال النبي الكريم، "خير النكاح أيسره"، والأمر نفسه تطالب به الشريعة المسيحية والتى تؤكد دوما أن الزواج الناجح فى المسيحية مبنى أولاً وأخيراً على حضور الله فى الأسرة وكل شىء بعد ذلك يدخل فى هذا النطاق.
وأخيرا.. فإن بركة الزواج مرتبطة باليسر، حيث قال النبى الكريم: أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً، و"خيرهن أيسرهن صداقاً"، وهو ما يوضح أن التيسير فى التكاليف تعقبه البركة فى الزواج والسعادة بين الزوجين بلا شك، لهذا يجب أن يعلم كل متورط، أنه يسير عكس روح الشرع، فما سيقام على المنافسة والمباهاة ستبعد عنه المودة والرحمة اللتان تعدان جوهر الزواج فى الإسلام، فكلنا أمل أن نعود إلى رشدنا حتى لا نشارك في جلب المفاسد إلى بيوتنا بأيدينا ونحن بكامل أهليتنا العقلية..