"يختار التاريخ نجومه" هذه جملة علينا معرفتها واستيعابها، فلو استعرضنا كل الرؤساء والزعماء فى تاريخ الإنسانية، لن نجدهم على مستوى واحد من الشهرة، وفى ظنى أن ذلك يعود لأسباب كثيرة، ولكن مع ذلك أتعجب كلما قرأت عن "مروان ابن الحكم" الخليفة الأموى الرابع.
ولد مروان بن الحكم فى العام الثانى للهجرة وتوفى فى العالم الخامس والستين من الهجرة، وهو أحد الأسماء المهمة فى التاريخ الإسلامى، فقد تولى الحكم بعد معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، وأسس لدولة أموية ثانية، وكانت تجتمع فيه صفات متناقضة، فهو مكار ومغامر سعى للسلطة وفى الوقت نفسه محدث ثقة نقل عنه العلماء والمحدثون مثل البخارى.
بعد وفاة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، ظهرت خلافات بين القبائل القيسية وعرب اليمن، حاول خلالها الضحاك بن قيس الانحراف عن مساندة بنى أمية لصالح عبد الله بن الزبير الخليفة الموازى، فى المدينة.
وأبدى مروان بن الحكم كبير بنى أمية حينها، رغبة صريحة فى مبايعة عبد الله بن الزبير هو الآخر بعد أن رأى البيت الأموى يتمزق بين منادين بمبايعة خالد بن يزيد بن معاوية، وآخرين، يهتفون بمبايعة عمرو بن سعيد بن العاص، لكن هذا القرار لم يكن سوى مناورة من الرجل الذى أثبتت مواقفه فى الأزمات والأحداث الجليلة أنه يتشبث بكل فرصة للاقتراب من الصدارة.
وبعدها اجتمع الأمويون فى مؤتمر بتل الجابية فى الشام وتناقشوا حول أمر الخليفة الجديد وخرجوا بقرار يرضى جميع الأطراف أن يكون الخليفة مروان ومن بعده خالد بن يزيد ومن بعده عمرو بن سعيد بن العاص، ولكن ذلك لم ينفعه كثيرا، وقد خانه ذكاؤه.
فلو عدنا إلى كتاب "دم الخلفاء: النهايات الدامية لخلفاء المسلمين" للباحث الدكتور وليد فكرى، وفيه يقول تحت عنوان "مروان بن الحكم: نهاية عبثية لرجل مغامر" فبينما كان الخليفة فى مجلسه دخل خالد بن يزيد وهو يمشى بين صفين من الحضور، فألقى السلام على خليفته وزوج أمه فالتفت إليه وبقى يتفحصه صامتا وقد ظهرت على شفتيه ابتسامه متهكمة، أطلق ضحكة وقال "والله إنك لأحمق" واحتاج خالد لحظات ليدرك أنه أهين أمام من يفترض يوما أن يكونوا رجال دولته وأحس بالضحكات الساخرة من حوله، فانسحب إلى أمه يخبرها أمر الإهانة، استمعت إليه صامتة وقد قرأ فى عينيها إدراكها أن المسألة تتجاوز مجرد قول عابر فى لحظة سخافة، وقالت أخيرا "لا بأس عليك.. أنا أكفيك" وأردفت "ولا تخبر أحدا أنك قد حدثتنى بما جرى".
وفى الليل وعندما عاد الخليفة إلى فراشه، قال لزوجته "أحدثك خالد بأمر اليوم؟" ابتسمت مفتعلة لامبالاة كاذبة وقالت "أنت عند خالد أكبر من يبلغنى أمرا عنك"، فعاد الرجل إلى استرخائه مغمضا عينه، بينما جلست هى إلى جواره تترقب وجه وأنفاسه، فسارت على أطراف أصابعها تستوثق أن لا أحد إلى جوار باب المخدع، وعادت إلى جوار زوجها وتناولت وسادة كبيرة وبلا أدنى قدر من التردد وضعتها على وجهه، وألقت بثقل جسدها عليه.