لم أتعجب من تصرفات الخونة، الذين غمرتهم الفرحة بمجرد جنوح السفينة "ايفر جيفين" في قناة السويس، تارة بإظهار الحقد والغل لمصر وشعبها، وتارة أخرى استخفافاً وسخرية، إلا أن ما يدعو للتوقف والتأمل هو الإرادة المصرية الصلبة، وجموع الملايين التي اجتمعت على قلب رجل واحد تدعو لعودة الملاحة مرة أخرى، وتستنجد بالقدير ليخرجنا من هذه المحنة، بعدما تحولت السفينة العالقة إلى حالة خاصة في كل بيت مصرى، ومشكلة تؤرقهم، يستيقظون وينامون على أخبار السفينة، حتى جاء من الله المدد.
المصريون يحبون قناة السويس، وهذه حقيقة لا تقبل الشك، فيعتبرونها رمزا للوطنية والنضال، راح فيها عشرات الآلاف عند الحفر والإنشاء قبل أكثر من 160 عاماً، ودفعوا فيها الدم قبل العرق، وحاربوا لأجلها مرات ومرات، من 1956 في عدوان ثلاثى شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ثم في 1967، عندما توجهت إليها أطماع العدو الصهيوني، وسيطر على ضفتها الشرقية وشبه جزيرة سيناء، إلا أن الرد كان سريعاً وعبرناها وهزمنا المغتصب على ضفافها، وصار العبور أكبر حدث فى ملحمة النصر والكرامة، وأهم صورة في أذهان من عاصروا الحدث أو من سمعوا قصته.
كان البعض يظن أن القناة رمزاً لأجيال أكتوبر ومن سبقوهم فقط، إلا أن الحقيقة تقول أن القناة في قلب كل مصري، فالشباب والأطفال يعرفون قيمتها وقدرها وتاريخها، وقد كانت دعواتهم وتشجيعهم خير محرك للسفينة الجانحة، بل كانوا خير من دافع عنها في وجه شياطين جماعة الإخوان الإرهابية، الذين ظنوا أن هذه المشكلة ستكسر شوكة المصريين، وتضعف عزيمتهم.
الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس تجعلها أهم ممرات التجارة في العالم، فلم تغير سفينة واحدة مسارها رغم تجمع أكثر من 400 مركب عملاق، في مناطق الانتظار بقناة السويس، ثقة في هذا الممر الآمن، الذى يقدم أفضل خدمة وأعلى معايير الأمن.
الأمن سلعة نادرة لن يجدها البحارة أو السفن إذا حادوا عن قناة السويس، فالطريق الذى يزيد 10 آلاف ميل بحرى عن القناة، ويستغرق وقتاً ووقوداً، لا يمكن أن يجدوا فيه الأمن والحماية التي نوفرها لهم، فالمجرى الذى يصل طوله إلى نحو 193 كيلومتر، تحميه أسود من الجيش المصرى، الذى ينشر أكمنته ونقاط ارتكازه في كل شبر من هذا الشريان الملاحى الدولى.
تجربة السفينة الجانحة في قناة السويس أكدت أن الفريق أسامة ربيع، مقاتل صلب، ومسئول تنفيذى بامتياز، يعمل في صمت، وهذا ليس جديداً على رجل تربى في كنف القوات المسلحة، وتربع على قيادة قواتها البحرية، التي يشهد لها العالم بالقدرة والتميز.
مازالت اللحظات الصعبة والأيام الطويلة تؤكد أن الفريق مهاب مميش، رجل من فرسان القدر، يتمتع بحكمة القائد وشجاعة المقاتل، وخبرة البحار، فقد خرج هادئاً لبقاً يتحدث لوسائل الإعلام المحلية والعالمية، ويصف الموقف بدقة ومعلومات صحيحة، تؤكد أنه يتابع الأزمة بكل أبعادها ويوجه النصح الأمين لمصلحة الوطن، الذى قدم وضحى لأجله سنوات وسنوات، منذ أن كان ضابطا متميزاً في سلاح الغواصات، حتى صار قائداً للقوات البحرية ورئيساً لهيئة قناة السويس.