بينما كنت أتحدث مع السيناريست محمد عبد الخالق والكاتب حسن أبو العلا بوصفهما إدارة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة (رئيساً ومديراً)، عن ضرورة التوسع في عرض أفلام المهرجان، لتكتمل جهودهم ليس فقط في تكريس مهرجان نوعي مهم، اختار المرأة كموضوع وكمنجز سينمائي، وإنما أيضاً في التواصل مع أهل البلد، ليتفاعلوا مع المهرجان الذي ينعقد في مكانهم والجغرافيا التي تخصهم، وإن كان المهرجان في الحقيقة منذ دورته الأولى له محاولاته الدؤبة في هذا التواصل، من خلال الورش الفنية التي تعد منجزاً حقيقياً للمهرجان، بما أتاحته لشباب أسوان من فرصة للمران والممارسة واختبار فنون صناعة الفيلم.
أكد لي (عبدالخالق / أبو العلا)، أن المهرجان في هذا الصدد يعد مفاجأة لدورته المقبلة، وإن لم يخبراني بتفاصيل المفاجأة، لكني تمنيت أن تكون سينما الصداقة جزءً منها، لأكثر من سبب؛ أولها أنها تقريباً صالة العرض الوحيدة في بلد يعيش على أطلاله، وتكاد تكون سينما الصداقة، واحدة من هذه الأطلال، بعد إغلاق سينما "أبو شوك" وتحويلها إلى مخزن للأسمنت، وسينما "بدر" التي أصبحت مقلبا للقمامة ومأوى للكلاب الضالة، وسينما النادي الروسي وسينما ومسرح "كيما" التي تحولت إلى قاعة أفراح.
وثاني الأسباب أنها قاومت لتظل مفتوحة رغم كل الظروف والتحولات الاجتماعية والسياسية العاتية، فإن سينما الصداقة تديرها المهندسة نجوى إبرهيم، امرأة قوية، ﻻ تفرط في السينما، عملها وميراثها من والدها المنتج والموزع السينمائي الراحل إبراهيم صبحي، رغم كل اﻹغواءات أو محاولات تحطيمها، حسب ما ورد في المحضر الذي حررته مديرة السينما رقم 5239 لسنىة2013 جنح قسم أول، ضد جماعة الإخوان تتهمهم بالتعدي على مقر السينما وتحطيمها وتكسير جميع الأبواب والنوافذ مع حرق الأفلام الموجودة بها وسرقة ماكينة العرض السينمائي وطفايات الحريق والسلالم الألوميتال، ذلك وبالإضافة إلى سرقة جميع محتويات البوفية، وقدرت الخسائر في المحضر حوالى 200 ألف جنيه، افتتحت سينما الصداقة في العام ١٩٧٢، بها قاعة واحدة فقط تحتوي٦٠٠ مقعد وتقدم الأفلام المصرية التجارية، لتظل هذه الصالة شاهداً على ماضي كان أجمل وحاضر أصبح فيه جنوب مصر خارج نطاق السينما، باستثناء مسارح قصور الثقافة التي تكاد تكون معطلة حتى تحييها أي فاعلية عابرة، فضلاً عن أنها تفتقد لوجود آلات عرض سينمائية.
بينما تتوالى الحجج والذرائع بأن جمهور الصعيد لا يدخل الصالات ولا يشاهد السينما، وهذه جملة باطلة تنفيها أولاً إندفاعات هذا الجمهور على أفلام الأعياد التجارية، كما تنقلها التقارير الإخبارية المتابعة، كذلك حضوره لأفلام مهرجان أسوان في قاعة الفندق المستضيف له، وثانياً لأن الجمهور المدعى عليه لم يجد على مدار سنوات طويلة صالات عرض كي يدخلها، إذن فالجمهور هو من إفتقد الشاشة والصالة وليس العكس، وهو الآن في أشد الحاجة إلى تأسيس جديد وجهد متواصل للارتباط بالناس وتشييد دور عرض سينمائية، تعوّض الـ 11 دار عرض المفقودة في الأقصر مثلاً وتحول بعضها إلى مخبز أو مصنع ثلج، هو ما حدث تقريباً في أسيوط التي أغلقت صالاتها الثلاث وأصبحت واحدة منهن "مولاً" تجارياً، كذلك اظلمت أربع شاشات في سوهاج، لتتحول "سينما النصر" التى أنشئت فى خمسينيات القرن الماضى إلى عمارة سكنية، وسينما "الحرية" الصيفية، المكشوفة إلى مول تجاري، وسينما "أوبرا" إلى مرتع للفئران والحشرات وكان آخر عروضها فيلم "صرخة نملة"، وسينما شريف إلى عمارة سكنية منذ الثمانينيات، وهدمت صالات بني سويف "الأهلي" و"النصر" منذ سنوات طويلة، فيما تخلو الفيوم من أية سينما، حتى قاعة قصر الثقافة بلا شاشة عرض، قد تكون المنيا هي الأكثر حظاً بوجود سينما سيتى سكيب مول وسينما القوات المسلحة، لكن هذا لا يعني نصراّ غامراّ في ظل أن الصعيد بأكمله يفتقد دور العرض السينمائية التي تقدم أفلاماً متنوعة على مدار العام، وهذا أمر أكبر من مسئولية مهرجان سينمائي مثل أسوان أو غيره، إنه ضرورة ملحة تحتاج إلى الاكتراث بأهل الصعيد والأقاليم عموماً.