سؤال الهوية؟ أتعجب جدا من القادرين على امتلاك الإجابات السريعة، المتأكدين من كل شىء، ملاك الحقيقة المطلقة، ولكن عجبى يكون أكبر من المتربصين بكل فعل أو حركة ويسعون لإفساد هذه اللحظات، حتى لو ارتدوا صوب الواعظ أو العاقل، وراحوا يطرحون قضايا وجودية وأسئلة صعبة مثل "ما هوية مصر؟".
بالطبع قاتل الله وسائل التواصل الاجتماعى فقد فتحت الباب لكل المارين على عالمنا الافتراضى فيسأل عن هوية مصر ويجيب فى الوقت نفسه، وكأن مصر كانت تعيش حياتها الطويلة الماضية فى انتظار أن يأتى ذلك "المار" على صفحته في الفيس بوك ليمنحها هويتها ويدلها على الطريق بعد الضلال.
وبمناسبة الضلال فإن أكثر الذين يتحدثون فى مثل هذه الأمور هم أصحاب الثنائيات حيث العالم يعيش ويموت محصورا بين (الأنا والآخر، الإيمان والضلال، الأبيض والأسود) هؤلاء يتعاملون مع الأشياء بمنطق النكتة القديمة "أنت تبعنا ولا تبع الناس التانين".
وفى رأيى كانت هذه النقاشات ستصبح جيدة لو أن طارح القضية يبغى الفهم و المعرفة لكنه عادة يكون قاصدا إثارة الجدل ولا أستبعد الفتنة، ومع ذلك فإن طرح مثل هذه القضايا لا يعدم الخير أبدا، فالبعض ومنهم دارسون ومتخصصون يخرجون علينا بآراء مفيدة، تتجاوز حتى ما نومن به بأن هوية مصر هى نتاج تاريخها الممتد وجغرافيتها الخاصة، ومن هذه الآراء التى استوقفتنى وفكرت فيها كلام للدكتور كريم الصياد، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، مفادها أن الهوية موضوع يتعلق بالحاضر والمستقبل، وأن طرحها فى صيغة السؤال المتداول على مواقع التواصل الاجتماعى لا يخدم سوى الأصوليين أينما كان انتماؤهم سواء أصولية دينية أو أصولية علمانية.
بالطبع كلام الدكتور كريم الصياد هو طرح، قد يختلف معه أهل العلم أو يتفقون معه، لكن له وجاهة علمية، لأنه ينطلق من فكرة أن القدماء كانوا يفكرون فى حاضرهم، وعلينا أن نفعل ذلك فهويتنا هى ما نحن عليه الآن.