"صورهم كانت بتوجعنى" قالها الرئيس السيسى متحدثًا عن أهالينا التى حكمت عليهم الظروف الصعبة بالمعيشة فى العشوائيات الخطرة على حواف الجبال وتحت رحمة صخور صماء إن مالت لا ترحم، يقينًا السيسى لا يتجمل بالكلمات، فتلك بضاعة لا يجيدها، لكنه يتحدث عن وجع حقيقى يتألم منه ويتمنى لو انتهى، يعبر عن شعور إنسان يعرف كيف يقدر معاناة الناس، أنا شخصيًا ألمح التأثر على وجه الرئيس كلما تحدث عن هذه الفئة من المصريين الغلابة المطحونين، ألمس فى كلماته نبرة من يتمنى لو امتلك كل الإمكانيات التى تجعله قادرًا على انتشالهم من هذا الخطر، ولأنه صادق فى هذا لم يستسلم لضعف قدرات الدولة ماليًا، ولم يقل، ما باليد حيلة، وإنما يقاتل من أجل البحث عن تمويل يكفى لتحقيق هذا الحلم.
مليون مواطن يسكنون حزام الموت، أعتقد وفق ما أراه وأسمعه من الرئيس أنه يعتبرهم مسئوليته المباشرة ولن يسكت حتى يؤمنهم بسكن يحترم آدميتهم، فمنطقة الأسمرات ليست سوى البداية لمشروع قومى ضخم يقوده الرئيس وربما يكون الأبرز فى تاريخ مصر، وقد يرقى إلى أن يكون تجربة تنقل عنا عالميا، فنحو مليار و200 مليون يسكنون عشوائيات حول العالم لم تجد حكومات دولهم حلاً حاسمًا لأزماتهم، لكن نموذج حى "الأسمرات" إن استمر وتوسع وطبق فى مناطق مختلفة سيكون إبداعًا مصريًا خالصًا فى التعامل مع ملف العشوائيات.
خطة إنقاذ المهددين بالموت فى هذه المناطق تتطلب 14 مليار جنيه لتشييد العمارات فقط، وبعدها ستحتاج لعشرات الملايين لتأثيث الوحدات، فالسيسى يرفض أن ينتقل سكان العمارات الجديدة بنفس "عفش" العشوائيات، فكل هذه ذكريات أليمة يتمنى لو نسيها أهلها، وكى يتحقق هذا فمتوسط المطلوب لتأثيث الشقة الواحدة ما بين عشرة آلاف وأحد عشر ألف جنيه، بما يعنى فى المتوسط أن الألف شقة تتكلف للتأثيث فى المتوسط أحد عشر مليون جنيه، وإجمالى الشقق التى نحتاجها لإنقاذ سكان المناطق الخطرة 60 ألف وحدة على أقصى تقدير تتطلب لتأثيثها نحو 660 مليون جنيه على الأكثر.
هذا المبلغ على الأقل يحتاج إلى مبادرة شعبية نسند بها الدولة وندعم بها مشروع الرئيس لإنقاذ الغلابة، يمكن أن يتحمل كل مواطن مقتدر تأثيث شقة لصالح هؤلاء الغلابة الذين عانوا سنوات ويجب أن يحنو عليهم المجتمع بالكامل وليس الدولة وحدها، المبادرة لن تكون صعبة ولا مستحيلة فنصيب المواطن سيكون عشرة آلاف فقط ويمكن أيضًا أن يشترى الأثاث بالتقسيط بالتنسيق مع شركات وطنية عبر صندوق "تحيا مصر".
دور رجال الأعمال لابد أن يكون واضحًا أيضًا فى هذا الملف الأهم، فالبعض منهم يشارك لكن ليس بالقدر الكافى، ولهذا نحتاج إلى توسع فى مشاركة رجال الأعمال وأن تنتقل هذه المشاركة من خانة الملايين إلى المليارات ولدينا من رجال الأعمال الوطنيين من يستطيعون هذا العمل الذى لن تنساه لهم الدولة ولا هؤلاء الغلابة.
مصر تتحرك إلى الأمام، وتنفذ مشروعات ضخمة لصالح البسطاء لكن خزانة الحكومة وحدها لن تفى بالمطلوب لأنه أكبر من طاقتها ولابد من أن تمتد "الأيادى البيضاء" لدعمها.