أيام قليلة وتستقبل الأمة الإسلامية شهر رمضان المعظم، حامدين الله عز وجل بتفضله على المسلمين بهذا الشهر الكريم، لما فيه من خيرات وبركة، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وشهر العتق والغفران، وشهر الصدقات والإحسان، وشهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، إلا أنه يأتى هذا العام والمسلمين والعالم أجمع ما زال يعانى ويتجرع من ويلات وباء أزهق مئات الآلاف من الأرواح وأصاب ملايين البشر، وانتشر الهلع والرعب بين الناس.
ليكون بمثابة فرصة وأمل فى رحمة الله عز وجل، أن يعجل فى كشف هذه الغمة وزوال هذا البلاء، في ظل تخوفات من الموجة الثالثة لهذا الفيروس اللعين، لذا يتطلب أن نحافظ على تحقيق التباعد الاجتماعى واتباع الإجراءات الاحترازية، وخاصة أن هناك طقوس وعادات وتقاليد، يتبعها الكثير فى هذا الشهر الفضيل، مثل العزومات والإفطار الجماعى، والتجمعات، وصلاة التراويح، واحتفال الصغار فى الشوارع وسط أجواء روحانية يحبها الكثير.
فاتباع الإجراءات الاحترازية وسبل الوقاية، كما ذكرت دار الإفتاء المصرية، أمور مأمور بها شرعًا؛ لأن هدفها حفظ النفس، وهو مقصد شرعى مرعي، والوسائل لها أحكام الغايات، فإذا نوى الإنسان بها ذلك نال ثواب إحياء الناس جميعًا؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ إضافة إلى أن حفظ النفس هو أهم المقاصد العليا التى جاءت بها الشريعة، وأن سلامة الإنسان في نفسه وماله أعظم عند الله حرمةً من البيت الحرام؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ وقال النبى الكريم: "لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار".
وإذا كان قد أمرنا الله باغتنام فضائل هذا الشهر الكريم، فمن الأحرى الحرص على اغتنامها فى زمن الوباء لننطلق منه نحو سلام وصحة وعافية، وخاصة أنه شهر تقال فيه العثرات وتجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات ويجود الله على عباده بكثير من الكرامات.
ولأن رمضان شهر الدعاء المستجاب، حيث قال تعالى بعد آيات الصيام، "وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون" فعلينا بكثرة الدعاء بل مواصلته ليل نهار ليكشف الله هذه الغمة ويرحم عباده من هذا البلاء.
وأخيرا.. فإن للصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها تهذيب النفس من الأخلاق السيئة، وتعويدها للأخلاق الكريمة، كالصبر والحلم والجود والكرم، فعلينا أيضا أن نستقبل هذا الشهر بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه والتسابق إلى الخيرات والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والدعاء ليل نهار أن يكشف الله هذه الغمة ويرفع الوباء والبلاء عن العباد..