لا تحرمنا السينما العالمية على مدى الوقت أن تمنحنا ما يعيد إلينا اتزاننا فى عالمى المتعة والتأمل، وفى رأيى أنهما الجزءان الأساسيان لنجاح أى فيلم، وفى أنه يستحق أن نطلق عليه كلمة فيلم عالمى، وقد شاهدت مؤخرا فيلم "الأب.. The Father " بطولة الممثل العالمى أنتونى هوبكنز، والفيلم شارك فى كتابته وأخرجه الفرنسى فلوريان زيلر، استنادًا إلى مسرحيته "الأب" التى صدرت عام 2012.
ويحمل الفيلم مستويات متعددة للإتقان، أبرزها الزاوية التى دفعنا لمشاهدته من خلالها، لقد قصد أن نفكر من زاوية المريض بالـ آلزهايمر، وكان المتبع، من قبل، فى الأفلام والروايات وأى مادة فيلمية أو كتابية عن هذا المرض أن تتم من وجهة نظرنا نحن الأصحاء، بحيث نتأمل حال المريض ثم نحكى عنه، ولكن هذا الفيلم طالبنا نحن بمحاولة الفهم.
كل ما نراه فى الفيلم يدور فى ذهن مريض ألزهايمر، فهو ينشغل بشيئين مهمين المشاعر والملكية، أما المشاعر فإنها الوقود الذى يساعده على استكمال حياته، فنجده يبحث فى ذهنه عن أشياء معينة ويسقط أخرى لا يعتنى بها، إنه يملك ذاكرة انتقائية، تقوم بإعادة تشكيل العالم بحيث يظل هو بطل القصة الحياتية، كل الشخصيات التى تظهر هى مجرد رموز لأفكار مرت عليه من قبل.
وأما الملكية فتتمثل فى "الشقة" التى اعتبرها نهاية الخدمة بالنسبة إليه، لذا ليس من السهل التخلى عنها، وفى ظنى أن مريض ألزهايمر لديه إحساس قوى بأن كل شيء يتخلى عنه، لذا يسعى للتمسك بالمتاح أمامه حتى لو كان تشابه الملامح.
وقد أبدع أنتونى هوبكنز كالعادة فى أداء الدور، كما أبدعت الفنانة أوليفيا كولمان فى دور الابنة، وعكست ملامحها بصورة احترافية كل ما تعنيه كلمة "توتر".
فضل هذا الفيلم من وجهة نظرى أنه أعاد إلى نوعا من حساسية الفن كنت أخشى ضياعها بسبب الثورة الرقمية التي راحت تهدد كل شيء.