لغة الأمة هى مصداق هويتها، ووعاء ثقافتها، ومرآة حضارتها، وذاكرة تاريخها، فلا بقاء لأمة يتخلى أبناؤها عنها، واللغة حافظة تاريخ المرء وفكره؛ لذا بات الحفاظ عليها واجب، لأنها ببساطة ترتبط ارتباطا وثيقا بالهوية، بل الحفاظ عليها، أصبح أمر وطنى وشرعى فى ظل سطوة الثورة المعلوماتية والغزو الإلكترونى الحادث الآن، لهذا جاءت مبادرة "اتكلم عربى"، الذى أطلقتها وزارة الهجرة لتؤكد ضرورة ربط المصريين بالخارج بوطنهم الأم، والعمل على ترسيخ الهوية المصرية فى نفوس أبناء مصر بالخارج، وسط سيل من التحديات والحروب لطمس وتفريغ الأجيال من الهوية الوطنية والعربية، ليكون ذلك بمثابة انتصار جديد للغة العربية.
وعظمة مبادرة اتكلم عربى، أنها تهدف فى الأساس إلى خلق حلقات من التواصل والاتصال، وتعريف أبنائنا بالخارج بالتراث والعادات والتقاليد والقيم المصرية، والرد على الشائعات والأكاذيب التى تحاك ضد الوطن، مما يرسخ المواطنة، ويكرس الانتماء، سواء لأبنائنا فى الداخل أو الخارج، فى ظل محاولات مستميتة من اللغات الكبرى لالتهام اللغات المُنافِسة لها، والعمل الدؤوب لإضعافها بكل السبل والأساليب، حتى بابتكار وسائل علمية وتعليمية وإعلامية أعدت جيدا لتحقيق هذا الهدف، ونموذجا على ذلك وجود ظواهر غير حميدة فى مجتمعاتنا فى تزايد، كالتفاخر بالتحدث بلغة أجنبية، أو الزج بكلمات أجنبية أثناء الحديث، وغير ذلك من الظواهر السلبية التى من شأنها تهدد اللغة الأم، متناسين أن الانجراف وراء هذا يُمكن أعداء اللغة من النيل من لغتنا أولا ويُقضى على هويتنا ثانيا، فكم من لغات تعرضت للاجتياح أمام قوَّة اللغات الغازية؟.
لكن ما يزيدنا تفاؤلا، ونحن نطالب بدعم مبادرة اتكلم عربى، أنه رغم هذه المحاولات المستميتة تجاه طمس الهوية، فإن العربية صمدت وقاومتْ حتى بعد أن تطوع بعض من أبنائها بالحرب عليها سواء بوعى أو من غير وعى، وخاصة بعد أن ظهرتْ صَيْحات تدعوا إلى أن نكتب لغتنا العربية بحروف لاتينية؛ بدعوى تسهيل تداولها، وما زلنا نرى زحف الحروف اللاتينية على واجِهات المحال التجارية في كثير من شوارعنا، وميادينا بالوطن العربى.
لذا.. يجب علينا أن ندعم هذه المبادرة المهمة بكل قوة، لأنها ببساطة أدركت أهميَّة اللغة فى المحافظة على شخصيَّة الأمة؛ مما يعكس ذلك ترسيخ الانتماء والهوية لدى أبنائنا فى الخارج ويعزز من هويتنا المصرية والعربية فى الخارج، إضافة إلى أن نجاح مبادرة اتكلم عربى مرهون علينا نحن، وليس على قوة اللغة، لأن والحمد لله لغتنا العربية قادرة على استيعاب كل ثقافات الأرض، فمن منا ينسى أنها غدت فى أواخر القرن الثانى عشر لغة العلم والحضارة، وأصبح العلم يتكلم بالعربية لمدة تزيد على ثمانية قرون، ويكفى أن نتذكر أنها شرفت بحمل آخر رسالات السماء إلى الأرض بلسان عربى مبِين، وهو القرآن الكريم المعجزة العظمى الباقية على مرور الدهور والأزمان، والمعجز للأولين والآخرين إلى قيام الساعة.
وأخيرا.. نتوجه بنداء وطنى لكل مغترب عربى خارج وطنه، وكل مصرى فى الخارج، لابد من دعم مبادرة اتكلم عربى، لأنها بمثابة فرصة حقيقية لإحياء لغتنا الجميلة من جهة، وقدرتها فى ترسيخ مفهوم الهوية المصرية فى نفوس أبناء مصر حول العالم، لتكون جسرا هاما فى التواصل بينهم وبين وطنهم الحبيب، إضافة إلى أن دعمها سيكون بمثابة انتصار كل مصرى فى الخارج للغته، ومساعدتها فى استجماع قُواها لمواجهة متطلَّبات الحاضر والمستقبل فى ظل الثورة المعلوماتية والإلكترونية الحاصلة اليوم، وكما قال الرافعى "ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره فى ذهابٍ وإدبارٍ"..