أخيراً.. الدولة تواجه العشوائيات الخطرة بمشروع حضارى
أخيرًا، مشروع مواجهة الدولة للعشوائيات الخطرة يرى النور، بعد أن ظللنا سنوات أسرى الإهمال والتجاهل حتى أصبحت العشوائيات بمثابة الحزام الناسف حول القاهرة الكبرى وعواصم المحافظات، لا تنتج إلا العنف والجريمة والتطرف.
أخيرًا، يقرر المسؤولون فى الدولة، بدءًا من الرئيس السيسى، ورئيس الحكومة، والوزراء المعنيين، وقف الانحدار العمرانى والحضارى باتجاه الحياة اليائسة فى مناطق غير آدمية، وتقديم أمل جديد لهؤلاء الذين لا يعرفون من الحياة إلا وجهها القبيح وخطورتها وفقرها وغضبها الذى يغذى العنف بكل صوره وأشكاله.
الجهد المبذول من الأجهزة التنفيذية والقوات المسلحة تحت إشراف الرئيس لنقل سكان العشوائيات الخطرة وتطوير المناطق العشوائية الآمنة، جهد كبير وواضح وينطلق من رؤية إنسانية واجتماعية شاملة، فمن خلال تدبير الموارد المتاحة من خارج ميزانية الدولة، تصل رسالة مهمة إلى جميع المواطنين ممن يسكنون العشوائيات أو يقطنون الأحياء المستقرة أو يلجأون للكمبوند المحمى، بأن المصريين عموما لا يليق بهم أن يعانوا خطر الموت والحياة غير الآدمية لمجرد أنهم لم يجدوا المسكن الصحى الملائم، أو لمجرد أنهم من محدودى الدخل والفقراء، كما يجب كذلك عدم ترك شريحة لا يستهان بها من المصريين فى قبضة قانون العشوائيات الذى لا يرحم، ولا ينتج إلا شبابا لديه استعداد للعنف والجريمة، لأنه يشعر بالظلم المقرون بالغضب، ولا يجد أى يد تمتد إليه بالعون والمساعدة على خلق حياة كريمة.
هذه الرسالة وصلت فى أكثر من مناسبة، ومن خلال تدشين أكثر من مشروع تنموى عملاق، لكنها تتجلى بوضوح أكبر من خلال الانحياز إلى محدودى الدخل والفقراء والمعوزين فى كل ما يهم حياتهم من مأكل ورعاية صحية ومعاشات ومسكن صحى ملائم، ورأينا مثلا كيف تتواجد منافذ وسيارات مشروعات الخدمة المدنية بالقوات المسلحة لطرح المواد الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة للغاية لمواجهة الغلاء وجشع التجار، كما رأينا المشروع الطموح لمساعدة الفئات الفقيرة والمعاقين، ومن لا يملكون دخلا منتظما وكبار السن من خلال مشروع تكافل وكرامة، وأخيرًا المشروع الحضارى لمواجهة العشوائيات الخطرة.
لا يدرك حجم الجهد المبذول فى نقل سكان العشوائيات الخطرة فى عزبة خيرالله والدويقة وبطن البقرة إلى مساكن آدمية ومجتمعات تم تخطيطها وفق المعايير العالمية، إلا السكان أنفسهم أو من عمل فى تلك المناطق شديدة الخطورة، ويكفى أن نعلم أن سكان تلك المناطق توافدوا على حواف جبل المقطم وبنوا عليها عششهم ومساكنهم الهشة ومع الاستخدام اليومى للمياة تشبعت الهضبة التى تتكون من الحجر الجيرى بالمياه والصرف وتصدعت بشكل خطير، كما شهدنا سابقا أكثر من انهيار لكتل صخرية كبيرة بالهضبة راح ضحيتها المئات من الأهالى فى تلك العشوائيات، بينما واجهت الدولة هذا الخطر المحدق بالمسكنات فقط.
لأول مرة، مع مشروع الأسمرات بالمقطم، نلمس مواجهة شاملة من الدولة لقضية العشوائيات الخطرة التى يتركز أكثر من نصفها بالقاهرة الكبرى، هنا نحن لسنا بصدد مسكنات أو حلول جزئية، ولكننا أمام تخطيط متكامل لحل مشكلة مستفحلة، وهو مشروع حضارى عظيم حال استكماله، لأنه لن يغير شكل القاهرة الكبرى فقط معماريًّا، ولكنه سيعطى أكثر من 17 مليون مواطن أملا جديدا ويمنحهم فرصة أن يضيفوا قوتهم المنتجة إلى مجموع قوة الدولة، بدلا من توجيه هذه القوة إلى العنف أو العمل خارج القانون.