يجب أن يكون القانون وحده هو الفيصل فى كل المشاكل دون تصنيف طائفى
لا توجد فتنة طائفية فى مصر، ولكن يوجد مناخ طائفى له أسبابه الكثيرة والمتعددة، منها القراءة الطائفية للتاريخ، وغياب وتغييب الشخصية القبطية فى الإعلام والتعليم والمواقع العليا والمتوسطة والفن والرياضة، الشىء الذى يجعل المسلم يشعر بوحدانيته فى المجتمع ولا يشعر بوجود الآخر، كما يجعل القبطى يحس ويشعر بالدونية والإحباط وعدم الحضور فيتقوقع على ذاته ويهاجر إلى الكنيسة فتتحول الكنيسة إلى ملجأ روحى وممثل سياسى، الشىء الذى استملحه الجميع بمن فيهم النظام، ولذا وجدنا تدخل الكنيسة فى غير دورها الروحى فيما يخص الأقباط، فتحول الأقباط إلى تابعين للكنيسة ولا علاقة لهم بالدولة.
ولذا من الطبيعى أن تتحول أى مشكلة بين مسلم ومسيحى إلى مشكلة طائفية تستفز من خلالها كل المشاعر الطائفية المتراكمة عبر السنين فى الضمير الجمعى المسلم والمسيحى، وهنا لا فرق بين مواطن ومسؤول فى أى مكان حتى المؤسسات الدينية، فكل واحد يحاول أن ينحاز إلى طرفه ويحاول تبرير الموقف لصالحه، فتغيب الموضوعية وتكرس الطائفية ويشحن المناخ الطائفى الذى يتحول إلى سلوك طائفى سيطر على الجميع، خاصة وسائل الإعلام، فسيطرت المقولات والعبارات الطائفية، مما تولد عنه ما يسمى بالفرز الطائفى الذى جعل الجميع يتعاملون بطريقة أو بأخرى حتى ولو بنسب مختلفة على أرضية طائفية «مسلم- مسيحى» وليس على أرضية سياسية «مصرى- مصرى».
هذه الإشكالية التى سميت بالفتنة الطائفية والتى جعلتنا نحول فورًا أى مشكلة عادية بين مواطن ومواطن يكونان بالصدفة مسلما ومسيحيا إلى مشكلة نعالجها بعيدًا عن الدستور والقانون ونظام الدولة، ولكن بطريقة قبلية طائفية عنصرية متخلفة.
ومشكلة سيدة المنيا التى مورس فيها أحقر وأشد وأنكى وأفظع الممارسات العنصرية اللاأخلاقية واللاإنسانية والتى لا علاقة لها بالإسلام، فقد أساءت كثيرا للإسلام الذى يتمسح فيه أمثال هؤلاء، فهذه ممارسات داعشية تجاوزت كل القيم والأخلاق المصرية والعربيه والإسلامية، وهذا هو الخطر الحقيقى الذى يعد نقله نوعيه فى مثل هذه الأمور مما يتوجب علينا كل الاهتمام والمعالجة الصحيحة.
أما أسلوب معالجة الأمن والمحافظ، فهذا انطباع لسلوك طائفى بامتياز يمارسة الجميع، ولذا يصبح الأهم هو تغيير منهج ورؤية الإدارة فى مجمل النظام، حتى يكون القانون وحده هو الفيصل فى كل المشاكل دون تصنيف طائفى، تقاعس المحافظ ومدير الأمن مع علمهما بما سيحدث وإهمالهم ما حدث «طائفية»، إصدار بيان الكنيسة بالرغم من تأخر السلطة «طائفية» لا نريدها بعد، تعامل الجميع مع الكنيسة وكأنها هى المسؤول السياسى عن الأقباط وليس الدولة «قمة الطائفية» التى لن تحل مشكلة الطائفية.
ومع هذه الكارثة الاجتماعية، فهناك نقطة ضوء إيجابية، وهى تلك المشاعر العظيمة والرائعة والإنسانية من كل المصريين المسلمين تجاه هذه السيدة، فهذا يدل على أصالة القيم المصرية، وهذا هو الرد العملى على تلك الممارسات الداعشية التى رُفضت عمليا بإجماع من المسلمين، وهذا بالطبع غير تطبيق القانون بحسم وحزم على الجميع دون استثناء.
وعلى المتاجرين بالقضية القبطية أن يخرسوا ألسنتهم حتى لا تتحول تلك المشاعر الإسلامية الجميلة إلى نقيضها كالعادة سابقا، فلا تستفزوا الطائفية فى داخلنا، بل أسقطوها واقهروها حتى لو كنا كلنا طائفيين، حتى تكون بحق مصر لكل المصريين دون تمييز.