ملف القطارات والسكة الحديد لم يغلق ليتم فتحه، فهو الملف الأضخم فى تاريخ مصر، على مدى عقود تشكلت لجان لتقصى الحقائق، ولجان فنية وهندسية أجرت تحقيقات واستمعت لأقوال، وكتبت تقارير تضمنت توصيات.
وزراء استقالوا، أو أقيلوا، بعد حوادث، ورؤساء هيئات نفس الشىء، ومع كل المسؤولين الذين رحلوا، أو التقارير والتوصيات، تتكرر الحوادث، وكأنها نوع من اللعنة تطارد المسؤول عن قطاع النقل، هناك عشرات الأفرع الأخرى، طرق، ونقل، وعشرات التفاصيل، لكن تظل القطارات «عقدة قائمة»، ويظل توقعا قائما أن نصحو على خبر حادث جديد، هذا عما هو معلن، لكن العادى أن هناك عشرات الأحداث الصغيرة تقع ولا يتم نشرها.
حادث سقوط عربات من قطار القاهرة إلى المنصورة بمدخل محطة سندنهور بالقليوبية، ما يزال قيد التحقيق، وهناك إشارات أولية إلى أن القطار كان يدخل بسرعة تتجاوز 100 كيلومتر/ ساعة فى منطقة إصلاحات يفترض ألا تتجاوز السرعة فيها 30 كيلومترا، فى منطقة تم تحديثها بتركيب الإشارات الإلكترونية الحديثة، وقبلها فى صدام القطارين عند سوهاج، هناك مؤشرات على انصراف السائق والمساعد، وحديث عن مخدرات أو غيرها.
نظريا نحن أمام خطأ يبدو فرديا، واقعيا إن الأمر يدخل فى سياق ثغرات جماعية قاتلة، ترتبط داخل منظومة عمل معطوبة، طبعا بعيدا عن التعميم، فهناك مئات من رحلات القطارات يوميا تمضى بسهولة وسلام، ولأيام، لكن مجرد احتمال واحد فى الألف يجعل القطارات تفتقد للأمان، حادث واحد بعد شهور يطيح بأى جهود تم بذلها، بل ويسىئ إلى عشرات الآلاف يعملون بإخلاص، ومهمل واحد يفسد عمل آلاف من الملتزمين.
نحن أمام واقع صعب، وأكبر من أن يتحول إلى موضوع للمزايدة والاستعراض، ربما يكون مهما مراجعة تقارير لجان التقصى البرلمانية والهندسية، حتى يكون الحديث واقعيا، خطوة إلقاء بيان من وزير النقل أمام مجلس النواب مهمة بالطبع، تفيد فى استعراض ما تم خلال الفترة الماضية، وهو أمر يتزامن مع أسئلة وطلبات طرحها نواب بالبرلمان، وكل ذلك مهم فى إطار الحوار العام، وطمأنة الرأى العام بعد تكرار حوادث القطارات، لكن تظل حوادث القطارات واردة فى ظل خط قديم شهد عمليات ترميم وعلاج على مدى عقود وبقى غير قادر على البقاء خارج نطاق القلق.
ويظل إنشاء خط قطارات جديد وحديث أسهل من استمرار ترميم وعلاج الخط القديم، مع الأخذ فى الاعتبار أن أغلب، إن لم يكن كل، الحوادث بالقطارات أسبابها واحدة، وتتعلق بالأمان والتحكم والإشارات والفرامل والجزرة، وأحيانا يصل الأمر للإشارة إلى نظرية مؤامرة، لكن مع هذا الإهمال والفساد، لا يحتاج الأمر لمؤامرة، لكن يحتاج رقابة وفحصا ومتابعة لحظية، تضمن عدم وجود ثغرات، من مخدرات أو اهمال أو فساد، وهى مهمة صعبة، لكنها ضرورية لاستمرار العمل فى القطارات التى كانت وما تزال أكثر وسائل النقل أمانا وسرعة ورخصا، مع كل الارتفاعات بالأسعار.
ويصبح قرار تعطيل القطارات لحين الانتهاء من التطوير أحد الحلول القائمة، لكن تعطيل ملايين عن القطارات وتحميل الأعباء على الطرق يجعل الاختيار صعبا، ونفس الأمر فيما يتعلق بتغيير المسؤولين مع بقاء المنظومة، وكلها تجعل الخيارات صعبة.