لا أعرف سبباً لربط اضطراب المزاج وزيادة معدلات التوتر والعصبية بشهر رمضان، خاصة أن الأصل في هذا الشهر الكريم الود والرحمة والشعور بالمحتاج، ومعاونة غير القادر والضعيف، وإطعام الفقير والزكاة إلى من ضاقت بهم أحوال المعيشة، إلا أن ما يحدث على النقيض تماماً من كل ما سبق، فتزيد المشكلات في الشهر الكريم، وترتفع حالة التباغض والتشاحن بين الناس، وترتفع الأصوات وتبطش الأيدى.
أتفهم جيداً أن الحالة البيولوجية للجسم تؤثر بصورة مباشرة على المزاج العام، فالامتناع عن الطعام والشراب لمدة تزيد عن 15 ساعة يومياً لها دور كبير في زيادة معدلات العصبية والضيف لدى البعض، كذلك من يدخون أو اعتادوا شرب الشاي والقهوة بصورة دائمة، يجدون صعوبة في ساعات الصيام، إلا أن هذا الشهر الكريم لا يستحق هذه الحالة.
رمضان الذى يعده الناس يوماً بعد الآخر، ووصفه الله في قرآنه بأنه أيام معدودات يتحول إلى عكس ما نتمنى، تحت ضغط الجوع والعطش والامتناع عن التدخين، لذلك يجب أن نتجاوز هذه العادات السلبية ونستعيد رحمات رمضان، والود المعروف عن رمضان، والهدوء المصاحب لأجواء رمضان، لا أن يكون إما للنوم أو المشاحنات والصراع، لذلك من الأولى أن تكون حالتنا المزاجية أكثر استقراراً، وشغفنا للعمل أكبر، خاصة أن الوقت الضائع في تناول الوجبات بالأيام العادية يمكننا استغلاله في الشهر الكريم لزيادة معدلات العمل والإنجاز.
لا يمكن أن يتحول الصيام إلى زريعة لرفع حالة التوتر وإثارة المشكلات، فالهدف الذى من أجله شرع الله الصيام عكس ذلك تماماً، فمن يغضبون سريعاً في الأيام العادية يجب أن يكونوا أكثر حكمة واتزاناً في نهار رمضان، فلم يأمرنا الله و رسوله بأن نتطاول ونظلم تحت دعوى الصيام ورمضان، بل علينا أن نصنع من هذا الشهر فرصة طيبة لتجاوز الخلافات واستعادة الهدوء والاستقرار داخل المجتمع، وإشاعة أجواء التراحم والبهجة على كل المستويات.
الرسول الكريم أخبرنا في حديثه أنه "خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له"، كدليل على أن الطريق إلى الجنة فى هذا الشهر ممهدة، وقصيرة، وسريعة، وسهلة ودون عوائق، وأبواب الجنة مفتوحة دون أقفال، تستقبل من أحسنوا الصوم والعبادة ومعاملة الناس، فعلينا أن نتحول برمضان إلى فرصة طيبة للفوز بالجنة، ونتجاوز الأفكار السلبية المرتبطة بالعصبية والحالة المزاجية السيئة، وانتهاز كل فرصة للود والتواصل والتراحم والتسامح، ونشر هذا بين الناس.