عارف أنت لما تمر بظروف صعبة، تتعرض لظلم، وتقعد تقول لنفسك ليه يا رب؟! وافرجها يا رب؟ وناس تقولك ده ابتلاء واصبر وناس تقولك استحمل، وأنت تقول بينك وبين نفسك.. اسكتوا محدش شايل أكتر منى.
فى دفاتر السيرة المصرية عشرات القصص عن الوجع والألم، ناس اتظلمت وتألمت، ظلم وألم لو اتوزع على أهل الأرض جمعاء مش هيكفى، ودول مش أى ناس، دول أهل بيت النبى، محمد عليه الصلاة والسلام.. بس المفاجأة أن من بطن الألم ممكن يجى الخير.. إزاى؟! تعالوا نشوف مع بعض.
عارفين ستنا زينب، أم هاشم، رئيسة الديوان، حفيدة النبى عليه الصلاة والسلام، بنت سيدنا على كرم الله وجه، أخت سيدنا الحسن وسيدنا الحسين.. عارفينها؟!
أكيد طبعًا ومين ميعرفش أم العواجز، بس مين يعرف رحلتها، ركز بقى معايا عشان تعرف مين اتظلم وعاش معاناة أكتر.. وتقول الحمد لله.
لما سيدنا الحسين استشهد فى كربلاء، ما فيش حد من أهل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم، سواء ستات ورجالة وأطفال إلا واتعرض للظلم والمطاردة والقتل والضرب والبهدلة، حتى ستنا زينب رضى الله عنها، رجعت على المدينة المنورة، حاصروها، حطوها تحت الإقامة الجبرية، ضيقوا عليها العيشة، خيروها تختار بلد تانى تروح تعيش فيه، طردوها بالذوق يعنى.. وحفيدة النبى عليه الصلاة والسلام اختارت مصر.
مصر اللى كل مضطهد وكل مظلوم لما يدور على الأمان كان يهرب إليها، سيدنا يوسف وسيدنا موسى وسيدنا عيسى.. وغيرهم وغيرهم من القديسين والأولياء.. والشعوب كمان، أهل أوروبا فى الحرب العالمية لجأوا لمصر، وعاشوا فى معسكرات الإسكندرية، وأهل فلسطين والعراق وسوريا واليمن وكل شعب حس بالخطر فى بلده.. لجأ ولقى الأمان فى مصر.
المهم يا سيدى.. ستنا زينب اختارت مصر، وفى الحتة دى تحديدًا حدوتة حلوة أوى بيقولها الحافظ ابن عساكر الدمشقى، وكمان بيكررها المؤرخ ابن طولون الدمشقى، بيقول إيه بقى، بيقول يا سيدى إن الأشدق والى المدينة قال للسيدة زينب: ولمَ مصر؟ ليه اختارتى مصر تحديدًا يعنى فقالت: لأكون وأنا فى برزخى بعد سنين ستمضى، فى شرف استقبال رأس الإمام الحسين الذى سودتم تاريخكم بدمه الطاهر.. ياالله.. وكأنها كانت شايفة المستقبل، لأن بعد كده وفى جمادى الآخر سنة 548 هجرية وصلت رأس سيدنا الحسين إلى مصر فى توقيت كانت المنطقة العربية كلها بتعيش مشاكل وفتنة إلا مصر.. تقريبًا.
يعنى مثلا جيش يزيد بقيادة مسلم بن عقبة كان بيحاصر المدينة ومكة وأهل الحجاز كانوا فى خوف، والشام كانت مقر الأمويين، وكان صعب على آل البيت التواجد بها، والعراق كان عايش فى دربكة وارتباك بسبب قسوة الحجاج بن يوسف وزياد ابن أبيه.
مصر بأرضها كانت خارج دايرة الفتنة دى كلها، ربنا حافظها وصاينها عشان كده اختارتها ستنا زينب.. مش بس كده، ده أهل مصر وقفوا فى وجه الظلم وزى ما ورد فى كتاب تحفة الأحباب، أن بعد قتل سيدنا الحسين أرادوا نشر الخوف فى كل البلاد، وبعتوا الرأس الطاهر تدور فى البلدان، إلا مصر أهلها وقفوا فى وجه حاملى الرأس المشرفة ورفضوا أن تكون أرض مصر ساحة للتنكيل بالإمام الحسين.
المهم وصلت ستنا زينب إلى أرض مصر، وطلع المصريون يستقبلونها فى يوم زى الفرح، وحملوها وصحبتها فى هودج، وفرشوا لهما الأرض ورد زى ما بنقول بالبلدى كده.. وطلع والى مصر وقتها مسيلمة بن مخلد بن صامت، يستقبلها بنفسه فى شرق بلبيس، وتوسل لها أنها تنزل فى داره.
وبسرعة تجمع أهل مصر حول السيدة زينب، كانت ذات جمال وشخصية قوية وشجاعة، فقيهة لها من حسن الكلام نصيب كبير، كانت تتمتع بالكرم وحسن المشورة، وبقت دارها مأوى لكل ضعيف ومحتاج فلقبوها بـ«أم العواجز»، و كان الوالى ورجاله يعقدون جلساتهم بدارها وتحت رئاستها فسموها بـ«رئيسة الديوان».
واستقبلت ستنا زينب كل محبة المصريين بكلمتين هم الجمال كله، والأمان كله والاطمئنان كله، لما قالت: يا أهل مصر نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا.
عشان تفضل الدعوة دى بركة تحفظ الأرض دى.. ويفضل المصريون يرددون ستى يا حارسة البلد من كل معتدى وحسد.. ونعرف إن فى نوع من الخير ممكن يتولد من قلب الألم والمحنة.. وإن الخير ممكن يكون دعوة تحرس بلد بحالها على مر العصور من كل الفتن.