فى دفاتر السيرة المصرية حدوتة جديدة من حواديت السيرة المصرية، عن اللحظة اللى المصريين انتصروا فيها على ظلم الحاكم بالعجة والبصارة.
متستعجبش ومتستغربش.. حضراتكم عارفين إن الشعب ده شاف كتير على مر العصور، وكثيرا ما سمعنا قصص من بطن الشارع المصرى عن الفهلوة والحداقة واللطافة والذكاوة، وإزاى أهل مصر بيستخدموها للخروج من المواقف الصعبة!
يعنى لما ترجع بالزمن لورا شوية، وتدقق فى تاريخ نضال الشعب المصرى ومواجهته للظلمة أو الاحتلال، هتلاقى طول الوقت كان فى حيلة، كان فى لعبة، سواء الكماين اللى كانوا بيعملوها للعساكر الإنجليز أو قشر البطيخ اللى استخدموه عشان يغرقوا سفن الحملات الصليبية، أو اختصار الكلمات واللعب فى حروفها اللى استخدمها المصريون وقت المماليك لما كانوا بيمنعوهم من الكلام.
الخير هنا فى ذكاء المصريين، إحنا شعب ممكن يكون فيه كل العبر بس لما مصر بتحتاجه بيتحول بيكون حاجة تانية خالص، ما فيش حد يقدر يصده ولا حد يقدر يمنعه من الكلام.
يعنى فى مرة.. من زمان أوى وتحديدا وقت الحكم الفاطمى لمصر المحروسة، الشعب عانى كتير، بس على مين الشعب المصرى طول الوقت كان عنده ذكاء للخروج من كل الكوارث، ده طبعا بالإضافة إلى إنه كان شعب ساخر بطبعه وبقول كان، عشان دلوقت الإفيهات بتاعت الفيس بوك دمرت ذكاء النكتة المصرية، حولتها من سلاح إلى مجرد لبانة تتمضغ شوية وسكرها يخلص وتنتهى.
المهم.. «الفاطميين» حاولوا السيطرة على المصريين بكل الطرق، يقفلوا باب للكلام، الشعب المصرى يفتح شباك، يقفلوا الشباك الشعب المصرى يحفر نفق، المهم هيفضل يتكلم ويدافع عن نفسه.
طيب ـإيه اللى حصل؟!
بص يا سيدى.. أنت طبعًا عارف إن المصريين من أول دخولهم الإسلام وهم على المذهب السنى، ولما «الفاطميين» دخلوا مصر وحكموها حاولوا يفرضوا المذهب الشيعى، وعينك ما تشوف إلا النور، بدأت لعبة القط والفار بين الحكام الفاطميين وبين المصريين.
والتاريخ طبعًا علمنا أنه أى حاجة تتفرض على المصريين من فوق دون قناعة وإيمان منهم مبتكملش، بتموت ومن هنا بدأت عملية مقاومة كبيرة ضد فرض المذهب الشيعى والأمراء الفاطميين عملوا كل حاجة من قهر وتعذيب عشان يفرضوا نفوذهم، وينشروا مذهبهم وبالتالى المصريين كان لازم لهم طريقة مبتكرة للاحتجاج أو الاعتراض.. ما هو المصرى لو ما خففش عن نفسه بكلمتين يطق يموت.. يعملوا إيه بقى؟!
بص يا سيدى.. «الفاطميين» منعوا الخطباء فى المساجد يتكلموا فى الموضوع ده ويعترضوا، بس الخطباء لقوا طريقة تانية للكلام، بدأوا يعملوا قصص رمزية فيها إسقاط على الواقع، بدأوا يحكوا للناس قصص من السيرة النبوية ومواقف عن الصحابة وبقت خطب الأئمة سلاح يواجه ظلم الفاطميين.
لكن بعد شوية الأمراء فهموا الحدوتة وعرفوا اللعبة، وطلعوا أوامر بأنه ما فيش كلام فى الماضى ولا سيرة ولا حاجة.. يعمل إيه المصريين بقى؟!
فى مسجد من مساجد المحروسة طلع خطيب الجمعة على المنبر، وبسمل وحمد وصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، وهوب فجأة بدأ يخطب فى الناس عن «طبق البصارة»، وقال «البصارة يا عباد الله من أفضل الأطعمة لتقوية المؤمن، وتُصنع البصارة من فول مجروش، وتُنقع فى ماء ثم تدق فى ماجور». وفضل سيدنا الشيخ الخطيب يكلم الناس من فوق المنبر عن البصارة والعجة والفرق ما بين طريقة عمايلها فى مصر وطريقة إعدادها فى الشام، وإزاى إحنا عندنا توابل مختلفة بنستخدمها ومرتاحين ليها.. وهكذا.
الناس اللى بتصلى الجمعة تنحوا واتصدموا.. إيه اللى بيقولوا الخطيب ده؟! الراجل ده اتجنن ولا إيه؟! بس بعد كام دقيقة ومع شوية غمز ولمز وهمهمة بدأت الناس اللى بتصلى تفهم إن الخطيب قرر يكسر أوامر الصمت، ويبلغ رسالته عن طريق البصارة ووصلت رسالته فعلا بدليل أن الحكام الفاطميين طلعوا أغرب قرار فى الدنيا، وهو منع الأئمة من الحديث فى خطبة الجمعة عن البصارة والعجة، وأى أكل تانى.. وهكذا معركة.. وراء معركة.. يستخدم فيها «الفاطميين» القوة.. ويستخدم فيها «المصريين» الحيلة عشان تنتهى الحرب بفوز المصريين، ويفضلوا محافظين على مذهبهم وهويتهم وعشان نفهم منهم إن الخير ممكن يكون فى الحيلة.. بس المهم تكون النوايا طيبة.