كل من شاهد فيلم «الأب» the father توقع أن يحصل العبقرى أنتونى هوبكنز على جائزة أوسكار أحسن ممثل، والفيلم نفسه يعالج واحدة من أكثر القضايا النفسية والعقلية، الشيخوخة والخرف، حيث تسقط الحواجز الزمنية والمكانية داخل عقل الإنسان، ليجد نفسه غارقا فى حالة من الهلام، لا يستطيع التفرقة بين اليوم والأمس ولا ما ذا كان ما يراه واقعا أم مجرد تهاويم وخرافات.
ويقدم هوبكنز فى فيلم «الأب» دور عجوز مريض بالخرف، بعد رصيد غنى من الأدوار جسّد فيها شخصيات متنوعة ومعقدة، بينها البابا ورئيس أمريكا وقاتل من آكلى لحوم البشر وغيرها من الأدوار المعقدة التى جسدها ببراعة شديدة الاتقان وموهبة فذة.
فيلم «الأب» يعالج ظاهرة الخرف مع الشيخوخة، يجسده انتونى هوبكنز مع أوليفيا كولمن ، حيث نجح فى نقل الخرف والشيخوخة من وجهة نظر العجوز، حيث تتداخل عوالمه، وحتى المشاهد نفسه يعيش نفس حالة التداخل والارتباك والحيرة والخوف ونوبات من الطمأنينة والقلق، يكاد المشاهد يدخل الى عقل الأب المصاب بالشيخوخة، لا يعرف ما إذا كانت ابنته تزوجت وسافرت أم انها تعيش معه، أو أن زوج ابنته يضربه، أم أنه مهدد وفى دار المسنين، وهل هذا العالم حقيقى أم أنه متداخل فى أحداث من الماضى البعيد أم القريب؟
ينجح أنتونى هوبكنز، فى نقل مشاعر الحيرة والخوف والارتباك للمشاهد تماما والذى يغرق فى عالم الأب وغرف رأسه المظلمة والمعلومات المتداخلة، هل هو يعيش فى منزله الذى صممه بنفسه كمهندس معمارى كبير، ويتحدث مع ابنته التى تخبره أنها سوف تسافر للزواج والاستقرار، ثم يجد الأب نفسه مهددا بفقد منزله مع عدوان وتهديد، وظهور شخصيات من ماضيه وماضى ابنته تمتزج مع مشاعره الآن، وهل ابنته تسعى لحمايته من الخرف بإدخاله الى دار المسنين أما أنها تغادر لتعيش حياتها متخلصة من عبئه.
انتونى هوبكنز ينجح فى تجسيد حياة الأب العجوز، الذى يتحول إلى طفل يبكى وينتظر ابنته كأنها أمه يبحث عن طمأنينة وسط قلق وتداخل، الاب يرفض المساعدات المقدمة له من ابنته التى تسعى للوقوف بجانبه بسبب التقدم فى العمر، ويعيش دوامة من الشك حول حب الناس له، والشك فى عقله والعالم من حوله.
فيلم الأب من ﺇﺧﺮاﺝ الفرنسى فلوريان زيلر، عن مسرحية له بالاسم نفسه، شارك كريستوفر هامبتون التأليف، قدم هوبكنز دوره ببراعة مذهلة، لأب يتأرجح بين الغضب والتشوش والعجز والتحدى كأنه داخل متاهة يشاهدها ويشارك فيها المشاهد من داخل وعى الأب المشوش؛ حيث الشخصيات تظهر وتختفى وتتقاطع وتتخذ تصرفات عدوانية أو طيبة، رجل عجوز يعانى الخرف، وهو عالق بين العدوانية والتشوش، رافضا محاولات ابنته «أوليفيا كولمان» لرعايته واحتوائه.
السير أنتونى هوبكنز ترشح لجائزة الأوسكار عن دوره فى فيلم « الباباوان»، قدم دور البابا ببراعة، وأن يحصل على أوسكار فى الثالثة والثمانين من عمره، وأول جائزة أوسكار حصل عليها 1992 عن فيلم «صمت الحملان» the silence of the lambs، عن دور هانيبال ليكتر، القاتل المرعب بل انه اعتبر أحد أعظم من قدموا دور الشرير، لكنه فى فيلم الأب ينقل المشاهد الى عالم إنسانى ونفسى يبعث الكثير من مشاعر التعاطف والخوف مع الآباء والامهات فى شيخوخة تعيدهم أطفالا من جديد.