تأتى الأديان بالخير كله، تقول لا تظلموا الآخرين ولا تظلموا أنفسكم، تخبرنا بأن الأخلاق الراقية يحبها الله ويدفعنا إليها ويغفر لنا ويرحمنا بسببها، ومن حسن الخلق "اللين" الذى هو رحمة من الله يهبها لمن يشاء.
وعندما أقرأ قوله تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" أتأمل كيف أعلى القرآن الكريم من صفة قد يراها البعض "سلبية"، خاصة فى البيئات الصحراوية والقبلية، التى يرى الناس فيها اللين "ضعفًا" ويرون الغلظة "قوة"، لكن الدين لكونه يعيد صياغة القيم ويعمل على بناء مجتمع متماسك يلقى الضوء على قيمة "اللين" بوصفها أساسية فى الشخص المسئول.
وترتبط "الغلظة" فى تصورى بعدم الثقة فى النفس، بالإحساس بالخطر والرغبة فى رسم صورة خشنة نختفى خلفها من كل ما يهددنا فى حياتنا الاجتماعية والعملية، لا أقول إنها قناع، لا ليست كذلك، بل هى شعور قوى بالخوف لا ينجو منه إلا من رحم ربى.
بينما "اللين" يرتبط فى تصورى باتساع الرؤية، وبقدرة القلب على الإيمان بضعف النفس وضعف الآخر، وأن ذلك ليس عيبا، بل هو جزء من إنسانيتنا، التى لن تكتمل إلا بالاحتواء الحقيقى لمن نعرف ومن لا نعرف.
نعم، إن الغلظة دافعة للتجاهل والنسيان، بينما اللين يكتب للإنسان سيرة خالدة، فصاحب القلب "اللين" يعيش أبدا، سواء انتبه لذلك أم لم ينتبه، لأنه ذات يوم سوف تأتى سيرته فى جلسة ما، فيعتدل أحدهم وقد كان متكئا، ويقول عنه "كان طيب القلب لينه" فيهز الجالسون رؤسهم مؤكدين ذلك ويترحمون عليه.