بينما نتأمل في حدث القيامة العظيم، نقرأ منه رسائلَ واضحةً وقويةً لحياتنا اليوم، نستمد منه قوةً في مواجهة تحدياتنا ومخاوفنا. تصف الأناجيل حالة تلاميذ السيد المسيح خلال الصلب وبعده بالحزن والخوف الشديد والشكوك واليأس. فبعد القبض على يسوع وتسليمه للمحاكمة يصف إنجيل مرقس الموقف بقوله: "فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا" (إنجيل مرقس 14: 50). بالطبع هي لحظات قاسية على التلاميذ الذين كانت لهم آمال وأحلام في المسيا المنتظر؛ فبعضهم كان يحلم بثورة سياسية يقودها المسيا ضد المستعمر الروماني، وبعضهم كان يبحث عن إصلاح الأحوال الدينية المتردية في ذلك الحين بالقوة. لكن جاءت لحظة الصليب لتنهار أمامها كل هذه الأحلام، ويشعرون فجأةً بأن كل شيء قد ضاع.
كان هناك خوف أكبر على الحياة، إذ خاف التلاميذ من أنه بعد صلب يسوع وموته يلتفت إليهم قادة اليهود بصفتهم مشاركين ليسوع. فيصف إنجيل يوحنا ظهور المسيح لتلاميذه بعد القيامة قائلًا: "وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!»" (إنجيل يوحنا 20: 19). كثيرًا ما يؤدي بنا الخوف إلى العزلة ويشل قدرتنا على التفكير. واجه السيد مخاوف تلاميذه بالسلام. يتعامل الله مع مخاوفنا، بأن يمنحَنا سلامَه. في وقت المخاوف ليس أمامنا سوى أن نرفع عيوننا إلى الله مانح السلام الكلي، الذي يفوق كل عقل، وصانعه.
من الواضح أيضًا أنه كان هناك شكٌّ عند بعض التلاميذ. في إنجيل يوحنا يروي الإصحاح العشرون ثلاث قصص عن ظهور المسيح لتلاميذه بعد قيامته، الأولى لمريم المجدلية، والثانية للتلاميذ مجتمعين، باستثناء توما، والثالثة بحضور توما. ومن الواضح أن حالة اليأس التي تملكت توما أوصلته إلى درجة من الشك، فكان يطلب دليلًا ماديًّا مرئيًّا، يعيد إليه الطمأنينة والإيمان. فقال لهم: "إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ" (إنجيل يوحنا 20: 25)، فظهر السيد المسيح لهم للمرة الثالثة بهدف طمأنة توما وإزالة شكوكه، وقال لتوما تحديدًا: "هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا" (إنجيل يوحنا 20: 27). وهنا زال شك توما فأعلن إيمانه قائلًا: "رَبِّي وَإِلهِي!" (إنجيل يوحنا 20: 28). ورغم أن السيد احترم مشاعر توما وأفكاره إلا أنه أوصاه قائلًا: "لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (إنجيل يوحنا 20: 29). كثيرًا ما يوصلنا اليأس والإحباط للشك في كل شيء وفي كل شخص حولنا، يحترم الله عقولنا وشكوكنا ومشاعرنا ويتعامل معها بالمحبة والرأفة.
ما أشبه هذه المشاعر بما نشعر به في الآونة الأخيرة! فمنذ ما يقرب من عام ونصف، ونحن نشعر بالخوف من فيروس كورونا، الذي أصاب الملايين حول العالم، وفقد الملايين أيضًا حياتهم جراء الإصابة به، وأثر بالسلب على الاقتصاد في العالم أجمع، وصارت حياةُ الناس مشوبة بالخوف والتباعد والعزلة. يشعر الكثيرون بالخوف من العدوى والحزن من إصابة أو فقدان أحد أحبائهم، كما أصيبت عائلاتٌ بأكملها. تنتاب الكثيرين الشكوك حول عودة الحياة مرة أخرى إلى طبيعتها بدون تباعد أو إجراءات احترازية، أو فاعلية الأدوية واللقاحات، التي نشكر الله لتوفرها. يشعر الكثيرون ممن اجتازوا تجربة الإصابة بالعزلة وخوف الجميع منهم لأنهم مصدر للعدوى وهو شعور قاسٍ، يشعرون بغدٍ مجهول غير مُطمئِن، يشعرون بالألم الجسدي إثر الأعراض المختلفة للإصابة.
في وسط كل هذا، نحتاج إلى العودة لروح القيامة وقراءة الحدث في سياقه وما يمكن أن يقدمه لنا من عون في مواجهة هذه الظروف، واستلهام مهارة التعامل مع الأزمات من موقف السيد المسيح تجاه مشاعر تلاميذه. لم ينكر السيد أزمة التلاميذ ومشاعرهم، لم يتجاهل أحزانهم، لم يوجه لهم اللوم على شكوكهم ويأسهم، بل احتوى الجميع بمحبة وتصالح، ومنحهم السلام والطمأنينة والثقة عوضًا عن الخوف واليأس. واجه السيد المسيح في صلبه أغلب هذه المشاعر، خانه الأصدقاء وتخلى عنه المقربون وأنكره تلميذه، واجه الآلام والشعور بالوصم والعار، لذا يقدر أن يعين المجربين كما يقول كاتب رسالة العبرانيين: "لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (الرسالة إلى العبرانيين 2: 18).
أصلي دائمًا أن تكون قراءتنا للقيامة حافزًا ودافعًا لتجاوز الأزمات والتعامل مع المشاعر السلبية، لنشعر بالطمأنينة والأمل والسلام ونمرر شعورنا هذا للآخرين، فيطمئن الجميع. أصلي لأجل بلادي، وأنا أراها بنعمة الله وإرادة قيادتها وشعبها، تخطو بثقة نحو مستقبل باهر ينعم فيه المصريون جميعًا بالسلام والمحبة والعيش الكريم، أصلي أن تتجاوز أية تحديات من أي نوع، كما كانت وما زالت وستظل صانعةً للحضارة ومعلمةً للإنسانية. أصلي من أجل الرئيس والحكومة وكل من هم في موضع مسؤولية أن يمنحهم الله الحكمة والمعونة في وجه كل التحديات، أصلي لأجل كل المصريين لينعموا بالطمأنينة والسلام والصحة.