فى ظل مواصلة واستمرار انتشار أفكار ظلامية عبر جماعات متطرفة تحمل مخاطر فكرية واجتماعية وعلمية، جميعها تهدف إلى خنق الإبداع والفكر وتشويه صورة الإسلام وأهله، وفى ظل عالم جديد وحضارة حديثة معقدة، أصبح تجديد الخطاب الدينى ليس بالأمر الترفيهى ولا محل اختيار بل أمر تفرضه الظروف والمستجدات فى شتى مجالات الحياة لمواكب هذا العصر والزمان.
فمن ينكر استغلال قوى الشر وجماعات الظلام التى يسودها الجفاف العقلى والوجدانى فى فهم النصوص الدينية فى تحقيق أهدافها المسمومة، فكم من أفكار متطرفة عملت خلال السنوات الماضية على ضياع الهوية الدينية والإسلامية، بل طمس الحقيقة الفقهية بالجمود، فإذا بمعارك الأمس البعيد تستخرج من بطون كتب تراثية لتصبح نبراسا للأمة فى عصر حديث وحضارة جديدة معقدة؟.. ومن ينكر تغير الحياة والمعيشة وطرقها ومتطلباتها فى ظل حضارة حديثة بآليات جديدة ومفاهيم وقواعد مختلفة كل الاختلاف عما كان فى الماضى؟
وهنا تأتى الدعوات المتكررة بشأن تجديد الخطاب الدينى شيئا يدعو للتفاؤل، ويتطلب الإسراع وعدم التباطؤ، وخاصة أن الدعوةَ لتقديس التراث الفقهى دون وضع المستجدات محل اعتبار، يؤدى إلى جمود الفقه الإسلامى المعاصر، إضافة إلى أن هناك أيضا نداءات وتصريحات لعلماء الدين والإفتاء، والتأكيد الدائم بأن تجديد الخطاب الدينى وعرض الإسلام بصورة تتفق مع مراد الله قضية حتمية ومستمرة لم ولن تنقطع، وخاصة أن التجديد مقصدٌ شرعى، وليست دعوات حادثة؛ فقد أمر صلى الله عليه وسلم بتجديد الإيمان فى القلوب فقال: "جددوا إيمانَكم".
لذا.. يجب على الدولة ومؤسساتها الدينية من أزهر وأوقاف وإفتاء ومعهم المجتمع وأفراده العمل سويا للنهوض بهذا الخطاب لتقديم صورة حقيقية للإسلام وتصوراته الصحيحة وفقًا للفهم الصحيح لمختلف سائر قضايا الإنسان المعاصر، ووفقا لمنهج تفسير حضارى قائم على قيم الاعتدال والتسامح، لنجد في النهاية خطاب دينى يحاصر الغلو والتطرف، ويركز على جوهر الدين، ويحفظ ثوابتنا، ويتماشى مع حركة حياتنا في زمن حديث له ضروريات ومتطلبات لم تكن موجودة من قبل.
وختاما، لن نصل إلى هذا الخطاب الدينى الجديد، ولا إلى المنهج التفسيرى الحضارى هذا، إلا من خلال تحديد القضايا التى تحتاج إلى معالجات وفهم جديد بدراسة كل قضية على حدة، وبحث كافة المستجدات من خلال لجان متخصصة، كلُ فى تخصصه، وكذلك من خلال إعادة الوعى الدينى من جديد بتنقيح أمهات الكتب، خاصة كتب التفسير والفقه والتوحيد،، وأيضا العمل على زيادة الوعى الخاص بأئمة المساجد من خلال دراسة علوم السياسة وآليات مواجهة حروب الجيلين الرابع والخامس والثورة التقنية الحادثة الآن، إضافة إلى ضرورة تحويل الأئمة لمراكز حاضنة للمواطنين اجتماعية ودينياً وثقافياً، ليحقق هذا كله ثورة على أصحاب الأفكار الجامدة والمتاجرين بالدين وأهل التفسيرات الخاطئة والمنحرفة من جماعات التطرف والضلال، وتحسين صورة الإسلام بالجمع بين التيسير وتحقيق مقاصد الشريعة، ونكون أمام خطاب دينى يواكب عالم معاصر عماده التكنولوجيا والثورة المعلوماتية والمعرفية والرقمية..