يحفظ الكثير من الناس قول الله سبحانه وتعالى فى سورة التوبة "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون" يقولونها ويستعينون بها فى مواجهة أيامهم وأحداثها المتعاقبة.
بالتالى فإن "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" واحدة من الجمل التى أثرت بشكل كبير فى صناعة العقلية العربية على مدى القرون الماضية، لقد صارت "حكمة" حاضرة دائما فى ساعات القلق والتوتر ووقوع المصائب، خاصة أن الفعل "كتب" فعل ماضى يعنى أنه وقع وانتهى، وبالتالى فإن ما نحن بصدده الآن هو مكتوب ومقدر منذ زمن.
وفى ظنى فإن هذه الجملة تحمل دلالة قوية لحفظ توازن الإنسان، فهى تمنحه الصبر اللازم لتحمل المصيبة، وذلك لأن معنى الآية أن الإنسان ليس مسئولا تماما عما يحدث له، بل هناك أمور مقدرة، وأعتقد أن علماء النفس يقدرون مثل هذه المعانى، التى تحمل عن الإنسان بعض المسئولية، مما يساعد على صحته النفسية وعلى قدرته على الاستمرار فى الحياة.
ولكن فى الوقت نفسه نجد أكثرنا يتعامل مع هذه المعنى بنوع من الاستسلام، وذلك لأنهم يفهمون منها أن كل شىء مقدر أى أنه لا مجال لتغيير فى الحال ولا تبديل فى المآل، وذلك بسبب مفهومهم عن "القدر"، وللأسف لقد ساوى البعض بين معانى القدر وثبات الفعل، ولم ينتبهوا لآيات أخرى نقول "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" التى تعنى فى أبسط معانيها دعوة للسعى والعمل.
نعم، وجب علينا القول "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" فهى آية داعمة بقوة، لأنها تخبرنا بشكل أو بآخر بأننا لسنا وحدنا فى مواجهة غضبة الحياة، ولكن علينا الانتباه إلى النصف الثاني من الآية "وعلى الله فليتوكل المؤمنون" أي أن الذين يؤمنون بهذه الآية عليهم الاعتماد على الله فى كل ما يفعلون، وأن عليهم متابعة العمل بينما الله سبحانه وتعالى وقدرته فى ماثل فى عقولهم وقلوبهم.