لم يختر سكان العشوائيات أن يعيشوا فى هذا العالم غير الإنسانى، وحتى لو كان العيش فى المناطق العشوائية، وسط الخنقة والتكدس، أنتج سلوكيات وأخلاق الزحام، فلديهم بعض الأعذار، فالمناطق العشوائية، تنتج سلوكا عشوائيا، بل إن الزحام نفسه ينتج سلوكيات خارجة عن المألوف، وهناك نتائج لأبحاث عن توأم عاش أحدهما فى بيئة جيدة، والآخر فى بيئة سيئة، وكانت النتيجة أن نصف السلوك تحدده بيئة المجتمع.
والرهان على أن انتقال سكان المناطق العشوائية سوف يحول المناطق الجديدة لعشوائية، هو مزايدة وتعالٍ، بل ربما كان العكس، طالما توفرت الظروف الإنسانية المناسبة والخدمات. وتم الحفاظ على القواعد العامة الحاكمة. وقد أشرنا ونعرف أن هناك أحياء راقية وأثرياء ساهموا ومازالوا فى نقل العشوائية لأحيائهم. رفضوا ترك مساحات للشارع، ومدوا الأرصفة فى حرم الطريق، وهناك محلات كبرى تخالف وتشغل الرصيف وتنتزعه من المارة. ومن يرد أن يرى يمكنه زيارة شارع فيصل والهرم وعين شمس وحدائق المعادى ودار السلام وغيرها، وهى أحياء تحولت إلى ما بعد العشوائية بفضل سلوكيات الجشع والبناء المخالف.
ثم إن ضمان عدم عودة العشوائيات أو ظهور عشوائيات جديدة، يبدأ من إغلاق ملف المناطق العشوائية، وهو ما تفعله الدولة فى مشروع الأسمرات وغيره، والتى تقوم على مجتمعات كاملة وليس مجرد نقل مكانى. ويضاف إلى ذلك التصدى للمبانى المخالفة بشكل حاسم، وهو أمر يتطلب تطبيق القانون، ومواجهة الفساد فى الإدارات الهندسية. وفيما يتعلق بعدم إعادة العشوائية إلى المناطق الجديدة يتطلب حضور الدولة بكامل وجودها، من حيث تطبيق القانون، وتوفير البديل.
ثم إن القانون لا ينجح من دون «حنان الدولة»، ممثلا فى الرعاية الصحية والاجتماعية والمدارس. وأيضا توفير بدائل للحصول على سكن آدمى. وقد كان التوسع فى الإنشاء العقارى الفاخر على حساب الإسكان المتوسط والمحدود سببا لانتشار العشوائيات.
وكما أشرنا فإن بعض الأثرياء بجشعهم هم من نشروا الأفكار العشوائية، والفقراء ليسوا ملائكة لكنهم كانوا ضحايا لغياب العدالة والفساد والبطالة. مع ملاحظة أن الفساد الكبير ينتشر بين مسؤولين كبار ورواتبهم ضخمة، وأيضا فإن الرشوة تفتح أبواب العشوائيات، بالبناء المخالف.. ولا عذر للثرى الفاسد.
أما سكان العشوائيات فمن الطبيعى أن تظهر لديهم مشاكل وأمراض السكن بالعشوائيات، والحياة فى غرفة لخمسة أو عشرة، وزحام وبطالة تولد الكفر وتنتج كل أنواع الأمراض الاجتماعية.
وبالتالى فإن الخوف ليس من عودة العشوائية إلى المناطق الجديدة لكن من أن تنتهى الصيانة، أو تغيب الدولة، أو ينفتح باب تحويل الشقق لمحلات. ومنع كل هذا هو دور الدولة التى يجب أن تحضر بالقانون والأمن، وأيضا بالخدمات والعدالة.