نأتى إلى الدنيا مثل ورقة بيضاء "فارغة" ومستعدة لتلقى الكتابة للرسم والطمس، نأتي يحيط بنا النقاء وعدم المعرفة، معظمنا محاط بعطف أمه وأبيه، يدلانه على الخير والشر، ومع الوقت نكبر ونصبح أصحاب رأى وفعل، نصير قادرين على الوقوف فى وجه الدنيا ومغرمين بالتنظير والتخطيط، ومخيرين بين الاعتراف بالنعم أو إنكارها.
إن القارئ لسورة "النحل" سيدرك أنها محملة بذكر نعم الله، حتى أن الله سبحانه وتعالى يقول فيها "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ"، وذلك حقيقة، فمهما حاول أحدنا رصد ما لحق به من النعم لن يستطيع، فدائما ما تزيد هذه النعم وتغلب على الابتلاءات التى يختبرنا الله بها أو يطهرنا بفضلها، ومن هذه النعم نعمة العلم والمعرفة بعد الجهل والظلام، يقول الله سبحانه وتعالى "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، وكى نفهم هذه الآية بشكل جيد علينا ألا نفكر فى أنفسنا وقوتنا الحالية، بل نفكر فى أطفالنا، كل واحد منا عليه أن يتذكر عندما رأى طفله للمرة الأولى ووجده ضعيفًا مغمض العينين لا حول له ولا قوة، شاهده ضئيل الحجم عاجزا عن مساعدة نفسه وغير قادر على معرفة شىء مما يحيط به، ومع الأيام تجده قد راح يكتسب المعرفة مستخدما ما أنعم الله به عليه من السمع والبصر والعقل والقلب والإحساس وغير ذلك، وتمر الأيام فتجده يجادلك ويحاججك ويناقشك ويملك من حج العلم ما يتفوق به عليك، ويجعلك تقر بقوله، أنت أيضا كنت مثله ذات يوم وكان أهلك لا يرون فيك حولا ولا قوة.
وهنا أريد أن أضيف شيئا، فعلى الرغم من كون نعم الله كثيرة ومتعددة ولا تحصى، فإن نعمة المعرفة هى أفضل النعم وأجلها، والمعرفة ليس المقصود بها جمع المعلومات، ولكن المقصود بها التفكير فيما نملكه من هذه المعلومات وتحليلها وتكوين وعى من خلالها نتحرك للأمام في حياتنا من الضعف للقوة للضعف من جديد.