نمر، جميعًا، بلحظات من التعب والضجر والعجز وقلة الحيلة والإحساس بالظلم وعدم جدوى الحياة، ما يجعلنا غاضبين على النفس وعلى كل ما يحيط بنا، يُهيأ لنا أننا تعرضنا لظلم فنروح ندعو على أنفسنا وعلى كل ما يخصنا بالهلاك، نرفع أيدينا إلى السماء طالبين من الله أن يدمر كل شىء وأن يمحو كل خير، ولكن الله رحيم فيسلمنا من أنفسنا ومما دعونا إليه.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الإسراء "وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً"، هذه الآية بها معنى كاشف للنفس الإنسانية، معنى حقيقى رأيناه كثيرًا فى البيوت والشوارع، وهو الدعاء على النفس والآخرين باستعجال النهاية وطلب الهلاك لهم، يدعو الإنسان بالشر بنفس قوة دعائه بالخير.
والعجب هنا يأتى من فكرة أن الطبيعى فى الأمر أن الإنسان يدعو ربه بالخير، يريد منه أن يزيده من فضله، وأن ينعم عليه بخيره ورزقه وراحة باله، ولكن أن يطلب منه الشر فيطلب أن ينقص من أعمار الناس أو أرزاقهم فهو أمر صعب، خاصة أن كثيرًا من المفسرين يرون أن المقصود بالدعاء هنا "الذات والأهل"، وإن كنت أرى أن المعنى أكبر من ذلك، ويشمل حتى الدعاء على الغرباء.
والطبيعى فى الأمر أن يدعو الإنسان بالخير لنفسه ولمن يحب، وإن أصابه ظلم دعا ربه أن يكشف عنه ظلمه، أما الدعاء على النفس والآخرين بالخراب والدمار ففيه شيء من العجلة، لذا تقول بقية الآية "وكان الإنسان عجولا"، أى متسرعًا، يتبع نفسه ويسير خلف غضبه المؤقت، يسمح للقلق فى داخله بأن يهدد كل شىء، ولكن رحمة الله الواسعة تنقذه.
تعالوا نتخيل كم الحزن الذى يعيش فيه الإنسان لو استجاب الله، سبحانه وتعالى، لما طلبه من شر، كان سيعيش بجرم الإحساس بالذنب ومسئولية ما وقع بسبب هذا الدعاء، وهو ما ينعكس على حياتنا جميعًا.
ولعل فى الربط بين ثنائية الخير والشر فى هذه الآية دليل قوى على أن الدعاء لله، سبحانه وتعالى، من المستحب أن يكون بالخير بطلب الرحمة والرزق ولا داعى أن نشغل أنفسنا بالشر وتوابعه.