لا تراهن فى هذه الحياة الدنيا إلا على تقوى النفس المؤسسة على الإيمان، والمؤصلة بحسن التعامل مع الناس وقوة الإخلاص للحق والسعى فى الخير، لأن كل ذلك يصبح بمثابة منقذ للإنسان من الشر المحيط، كما فيه العديد من المكاسب - حتى بعد الموت - ومنها حسن السيرة والثقة فى مستقبل أفضل للأبناء.
يقول القرآن الكريم فى سورة الكهف، وهو يروى لنا قصة سيدنا موسى عليه السلام والعبد الصالح الذى التقاه فى رحلة المعرفة الربانية "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً"، وقد أدرك الناس سر هذه الآية مبكرًا، وراحوا يضربون المثل بقوله سبحانه وتعالى "وكان أبوهما صالحا" فى أن الخير باق لأسرة من يصنع الخير وأن الأرض يرثها الصالحون من عباد الله.
وذلك حق، يمكن أن نسميه "إرث الخير" ويمكن لمن يحب أن يقرأ تواريخ الناس ويتأمل فى أنسابهم ملاحظة ذلك بسهولة، وفى ظنى أن أبناء القرى يعرفون هذا الأمر ويتأملونه ويشاهدونه يحدث كثيرا، وذلك لكون أهل القرى يعرفون تتابع الأنساب، فيشهدون جانبًا من ذلك أو يرثون الحكايات التى تحكى عن الجدود وقصصهم فى الأرض خيرًا أو شرًا.
وليس شرطًا - بالطبع - أن يجد الأبناء والأحفاد كنزًا من ذهب تحت جدار بيتهم، لكنهم عادة ما يجدون ستر الله، وهو خير كنز، يجدونه محفوظًا فى صور متعددة، فى ابن ناجح حافظ للجميل، فى امرأة طيبة تعمل على عمار البيت، في راحة بال غابت عن الجميع وحضرت عندهم، فى الشعور بالأمن بينما الآخرون يهددهم الخوف ويقلق بالهم، وفى نفس سوية تحب الخير وتسعى لرضا الله، جعلنا الله سبحانه وتعالى منهم.