تثبت الانتفاضة الفلسطينية نجاحها فى حال تراجع الاحتلال عن التهام منازل الفلسطينيين فى الشيخ جراح، ووقف التهجير والاستيلاء على بيوت وأراضى الفلسطينيين، وقد كشفت الانتفاضة فى القدس عن قوة المتظاهرين فى مواجهة القوة الغاشمة للاحتلال، وهناك مشاهد كان فيها الجنود يفرون أمام فلسطينيين يرفعون الأحذية أو الحجارة. ويفترض أن يوظف العرب التعاطف الدولى على المستوى الشعبى لكسب مساحات من التوضيح للقضية، فقد اعتاد الاحتلال توظيف التهديدات تجاههم ليظهروا فى صورة المظلوم، بينما العرب وهم المقتول يظهرون أنهم وحوش، لكن الصورة اليوم أكثر وضوحا.
بل إن الأطراف التى اعتادت أن تصدر تهديدات ومزايدات اختفت هذه المرة، وبدت فى أحجامها، ويبدو أنه فى ظل انتشار السوشيال ميديا لم يعد من السهل اتخاذ مواقف عنترية فى العلن، وتعاون أو تواطؤ فى الخفاء، وأغلب الجهات التى اعتادت إطلاق تصريحات أو تهديدات فارغة اختفت فى ظل وضع تتضح فيه المواقف.
وربما لهذا كان الموقف المصرى هو الأكثر اتساقا ووضوحا، إدانة للعدوان، والسعى لوقف العدوان بفتح المعبر وتجهيز المستشفيات لعلاج الجرحى، مصر تتحرك من منطلق مسؤولية، وتمتلك من المعلومات والأوراق ما يجعلها الطرف الأهم فى هذه الأزمة، القاهرة تنطلق من الفعل وليس رد الفعل، وحسب وزير الخارجية سامح شكرى، فقد سعت مصر منذ البداية، عبر اتصالات مكثفة، لإقرار وقف فورى لإطلاق النار وإحياء مفاوضات جادة.
ومن فرنسا، أعلن الرئيس السيسى موقف مصر الثابت، داعيا لوقف أعمال العنف فى أسرع وقت ممكن، والتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية.
وفى كلمة أمام مجلس الأمن، أكد وزير الخارجية سامح شكرى «أن حل الدولتين لا يزال الخيار العملى الوحيد لإزالة للاحتقان»، مؤكدا أن الضفة الغربية والقدس شهدتا توسعا كبيرا فى سياسة التهجير القسرى والاستيلاء على المنازل، وأنه «لا سلام دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية».
وحسب المتحدث باسم الخارجية، كانت هناك اتصالات بين وزير الخارجية سامح شكرى، والعديد من نظرائه وهم وزراء خارجية الأردن روسيا وإسرائيل وألمانيا والسعودية وفرنسا وأيرلندا، والتواصل مع وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وقطر واليونان وهولندا، بجانب أيضا وزير خارجية تونس، فضلا عن اتساع التحركات المصرية على الصعيد الأممى.
كل هذه التحركات تشير إلى أن القاهرة تتحرك فى كل الاتجاهات وتملك أوراقا ومعلومات تمكنها من القيام بدور محورى، فى أزمة معقدة ودقيقة لا تحتمل التلاعب أو المزايدات، فضلا عن أنها تهدد بالمزيد من التوتر بالمنطقة، ففى حين قدمت مبادرات، فقد اتخذت مواقف واضحة فى مواجهة العدوان، وأعادت التأكيد على أنه لا سلام من دون دولة فلسطينية، وكل هذا مع اتصالات مستمرة مع كل القوى الدولية والإقليمية.
عمليا، لم تتوقف مصر عند هذا الحد واتخذت إجراءات عاجلة لإغاثة وعلاج الجرحى، وأعلنت فتح معبر رفح ودعم مستشفيات العريش لعلاج الجرحى، وبناء على تكليف الرئيس السيسى حركت وزارة الصحة 165 سيارة إسعاف مجهزة، وتم تجهيز 11 مستشفى بمحافظات شمال سيناء والإسماعيلية والقاهرة، ودعم شمال سيناء بـ37 فريقا طبيا فى مختلف التخصصات الطبية، فضلا عن مستلزمات طبية ومشتقات دم، و65 سيارة إسعاف مجهزة بعناية مركزة وتنفس صناعى، فضلا عن إمدادها بتجهيزات ومستلزمات طبية وأدوية متكاملة، فضلا عن متابعة مركزية لتحويل الحالات ونقلها إلى مستشفيات أخرى.
مصر تتحرك فى كل الاتجاهات بسياسة الفعل، وتدعم وحدة الفلسطينيين والمصالحة وإجراء الانتخابات فى كامل الأراضى الفلسطينية، وقطعت شوطا فى هذا السياق، لتؤكد أنها الطرف الأكثر فاعلية فى وضع شديد التعقيد.