لم يتوقف الحديث طوال عقود عن مسارات السلام والدولة الفلسطينية، لكن هذا الكلام لم يترجم أبدًا إلى فعل من أى نوع منذ ما بعد اتفاقات غزة أريحا، وكل القوى الدولية تتحدث عن هذا، لكن الواقع أنه يظل مجرد كلام، فهل يمكن الرهان بعد الأزمة الأخيرة عن إمكانية تحقيق أى تقدم فى هذا الطريق وقيام دولة فلسطينية؟
هناك فرق بين ما يتم إعلانه من قبل القوى الكبرى والدولية وبين إرادة تحقيق ما يعلن، نظريًا فإن كل القوى الكبرى تتحدث عن السلام فى فلسطين وحل الدولتين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة وكل الدول الفاعلة لكن من يمكنه تحقيق سلام أو على الأقل بدء محادثات ومفاوضات تعيد للقضية قوتها ووجودها. من جانبها مصر أعلنت على لسان الرئيس السيسى، أكثر من أهمية سرعة العمل على إحياء مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولى، أثناء الأزمة أكد الاتحاد الأورربى أن الحل هو الدولة الفلسطينية، وأكد الرئيس لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيرس، ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يفضى إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو نفس الخطاب الذى تم بين الرئيس ونظيره الأمريكى جو بايدن.
ورغم أهمية المواقف الدولية والقوى الكبرى تظل إرادة السلام متوقفة على طرفين أساسيين، الأول هو إسرائيل التى تمثل الاحتلال، والثانى هم الفلسطينيون أصحاب الحق فى الدولة، واستكمال ما تم، خاصة أن السلطة فى أيدى اليمين ويسعى نتنياهو للحفاظ على البقاء فى السلطة رغم فشله فى تشكيل حكومة مرات على مدى أكثر من عامين، فضلًا عن سيادة المتطرفين وغياب التوازن بين اتجاهات القوة، ورغم زعم نتنياهو أنه انتصر فإن نتائج العدوان ما تزال غير ظاهرة، بل إنه يعجز عن إقناع المجتمع بأى انتصار، وهو ما قد يدفعه إلى تغيير الاتجاه رغم صعوبة موقفه.
على الجانب الآخر، فإن الفلسطينيين وقد ظهروا موحدين نسبيا فى مواجهة العدوان بعد سنوات من التشتت، يمكنهم أن يقبلوا المساعى المصرية لإعادة وحدة الصف ومصالحة الفصائل، فقد كانت مصر هى الطرف الأوضح الذى سعى إلى مصالحة بين الفلسطينيين تمكنهم من الذهاب معًا إلى أى تحركات فيما يتعلق بالسلام والدولة الفلسطينية، وكانت آخر الجولات فى القاهرة قد أزالت الكثير من العراقيل، واتفقت الأطراف على انتخابات موحدة فى الأراضى الفلسطينية، وتوحيد الأجهزة الأمنية والسياسية.
واليوم بعد وقف العدوان ما تزال الأوضاع فى الأراضى المحتلة قابلة للاشتعال، والانتفاضة الفلسطينية مستمرة فى مواجهة الاستيطان ويفترض أن يكون هناك تفكير فى استغلال زخم الانتفاضة لتحقيق أهداف، قبل أن تتراجع وتنتهى إلى فراغ. خاصة أن هناك تعاطفا دوليا، وإدراكا للقضية الفلسطينية، وحرص مصر على طرح الحل والحديث عن الدولة الفلسطينية.
قد تبدو إعادة مفاوضات السلام أو الحديث عن دولة فلسطينية مستبعدًا، لكن المصالحة الفلسطينية هى الخطوة الأصعب والتى يمكن فى حال تحقيقها، أن تسهل باقى الخطوات. ورغم وجود أطراف كثيرة تعلن رغبتها فى السلام، لكن يبقى توحد الفلسطينيين والأهم فى ظل واقع معقد، ينتظر أن يطول الأمر، ويبقى الأهم هو استغلال حالة من السخونة تتيح تحقيق أهداف حتى لا تذهب تضحيات الفلسطينى سدى، بعد انتفاضة أعادت القضية للواجهة.