بعد 20 جلسة بحثية، و3 ورش عمل، ومعرض للصناعات الثقافية ومعرض للكتاب، انتهت أعمال الدورة الأولى للملتقى الدولى لتجديد الخطاب الثقافى الذى نظمه المجلس الأعلى للثقافة، على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة نحو 140 باحثا وناقدا ومفكرا من 17 دولة عربية وأجنبية، وقدم المشاركون فى الملتقى أكثر من 100 ورقة بحثية، تضمنت مئات التوصيات والأفكار والمقترحات، التى حدد القائمون على تقديمها بأنها من أجل «صياغة خطاب ثقافى يكون أكثر مواكبة للعصر وصالحا للأجيال الجديدة، بهدف تشكيل وعيها، والحفاظ على هويتها العربية»، وفى النهاية خرجوا بمجموعة من التوصيات التى تعد كلاما جميلا ومهما لكن ينقصها شىء مهم أيضا وحتمى وضرورى وهو كيفية التنفيذ.
أما التوصيات التى طرحها الملتقى فهى وضع خرائط ثقافية بالمنطقة العربية، تكشف أماكن المكتبات العامة، ودور النشر، ومنافذ بيع الكتب والمسارح ودور السينما، وحتى المترجمين، واللغات التى يترجمون منها وإليها، كما أوصى المشاركون بتأسيس شركات لتسويق المنتج الثقافى، حتى يتم التعامل معه بشكل أكثر احترافية، وتعظيم الفائدة الاقتصادية منه، مثلما يحدث فى الغرب، وكذلك إعادة النظر فى التشريعات الحاكمة للعمل الثقافى، لتوفير مناخ أكثر تشجيعا على الإبداع، وإقامة حوار دائم بين المؤسسات الرسمية، ومنظمات المجتمع المدنى والجامعات والمثقفين، وأوصى المشاركون أيضا بمراجعة المنظومة التعليمية لبناء نظام تعليمى كفيل بتشكيل عقل المواطن، من خلال عودة المسرح والصحافة والفن التشكيلى، والتنسيق بين المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة.
هذه التوصيات ينقصها أمر مهم جدا، كما قلنا، يتعلق بكيفية تحقيقها، لأنه بعد انتهاء الملتقى سيغادر المشاركون العرب والأجانب إلى بلادهم ومؤسساتهم بعد زيارة سيصفونها بالقصيرة للقاهرة، وبعد أول فعالية ثقافية سيشاركون فيها سينسون تماما ما حدث فى القاهرة، مؤملين أن تتم دعوتهم فى الدورة الثانية للملتقى، هذا إن كانت هناك دورة ثانية، أما المثقفون والمفكرون المصريون فسيظنون أنهم بهذه الطريقة قد قاموا بدورهم، وأعطوا الثقافة فى مصر حقها، ودافعوا عن حق المثقف داخل هذه الغرف الضيقة التى ناقشوا فيها أفكارهم، وينتظرون أيضا دعوتهم فى دورات مقبلة ليناقشوا شؤون الثقافة فى مصر.
ما أقوله ليس تشاؤما أو رفضا للملتقى، لكن بسبب غياب آليات التحقق، الذى بالطبع حول الأمر لمجرد «كلام» يقال، كذلك بسبب الحدة التى تحدث بها البعض فى الندوات والتى عكست بشكل أو بآخر فكرة أنه قادم ليبرئ نفسه ويلقى التهم على الآخرين، فهو المستنير، والآخرون «جهلة»، وهو حر والآخرون يسقطون فى «العبودية»، وهذه الطريقة فى التفكير والتى لا تعتبر المثقف جزءا من المجتمع المأزوم لن تقدم جديدا.
نأمل أن تنتبه وزارة الثقافة فى مصر، وأن تضع خطة حقيقية سريعة وناجعة للاستفادة من هذا الملتقى، وألا يتحول لحكايات زمنية وذكريات شخصية للأفراد الذين شاركوا فيه.