للإنسان أن يدَّعى ما يشاء من قيم وأخلاق وخصال طيبة فى نفسه، وذلك طالما هو ساكن فى غرفته لا يغادرها، يغلق عليه بابه، فلا يتحدث مع أحد ولا يجادل أى شخص، ولا يتعامل مع إنسان، له أن يقول ما يشاء حتى يخرج إلى الشارع، ويرى الناس فيجادلهم ويجادلونه، ويخاطبهم ويردون عليه، ويتفق معهم ويختلف، حينها إما أن يتحقق ما يراه فى نفسه من قيم وأخلاق وإما أن يتبدد كل ذلك بسبب المعاملة والشجار والخلاف.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المؤمنون "ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ"، وسورة "المؤمنون" فى مجملها تتحدث عن صفات أخلاقية وقيمية مهمة، على الإنسان أن يسعى لاكتسابها، وهى تحتاج صبرًا ومجالدة للنفس، وذلك لأن الإيمان نفسه الذى يتصفون به يحتاج عزيمة وقوة.
والرد على السيئة بالحسنة، واحدة من أقوى الخصال الطيبة، من امتلكها فقد امتلك خيرًا كثيرًا، لأنها تحتاج عقلا واعيًا وقلبًا طيبًا طيعًا.
إنها اختبار حقيقى لمن يؤمن بـ الغد، كيف ذلك؟ إن من يرد على السيئة بالحسنة إنسان مؤمن بأن الأمور لن تقف عند هذه النقطة، بل ستتحول إلى الأفضل، فإما أن تؤتى الحسنة ثمرتها فتغير سيئة الآخرين، وإما أن الله سيرزقه الأفضل بسبب خلقه وعمله، كما أن فيها درجة من ضبط النفس، من يتصف بهذا السلوك، فإنه يستطيع أن يتحرك فى هذه الدنيا بطمأنينة تجعله قادرا على فعل أى شىء آخر.
إنها سلوك صعب، أن تنظر إلى الآخرين نظرة ليس فيها كره ولا حقد، فكونك تفعل الحسنة، فإن ذلك معناه أنك قادر على منع غضبك وكبت رغبتك فى الإيذاء، وذلك مهم لأن معظم خلافاتنا تكون مع أقاربنا وأخوتنا وجيراننا، ولو صبرنا عليهم لتوقفوا عن الإساءة ولكن إن رددنا السيئة بالسيئة زاد الأمر واشتعل.
ولكننى أعترف بأن هذا سلوك صعب، فأخلاق المجتمع العامة – عادة – لا تقوم على إعلاء هذا النوع من القيم الأخلاقية، بل على العكس تمامًا، إنها تصف من يفعل ذلك بقلة الحيلة، والعجز عن المواجهة.
نعم، المجتمع لا يؤمن بمثل هذه القيم، بل يؤمن بقول شاعر ما قبل الإسلام عمرو بن كلثوم "ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا"، فيا رب سلم.